من البدهيات التي لا تحتاج إلى استدلال مسألة عالمية الإسلام وإنسانيته، ذلك لأنه هو الدين الذي جاء ليحرر البشرية من الانحرافات والضلالات والوثنيات المنتشرة سابقًا، وليدفعها إلى المستوى اللائق بالعقليات الإنسانية البناءة المتحضرة، ولم يكن الإسلام في يوم ما خاصًّا بقبيلة أو جنس أو عصبية، وإنما هو دعوة عامة إنسانية، وهو لهذه الميزة التي ينفرد بها يكره دعوة التعصب للجنس أو للون أو للقبيلة، لأنها -في حقيقة الأمر- دعوات تفتت من كيان الأمة، وتبدد قواها، وتبعثر طاقاتها، وتقف حائلًا دون كل تقدم ونمو حضاري وثًّاب، ووجود فئة في البلاد الإسلامية تدعو للتجمع القومي أو العصبي وجود طارئ غير أصيل،
ومدفوع غير واع، ومغرض غير نزيه، وإن دعوة التعصب للجنسية دعوة غريبة عن المبادئ الإسلامية وعن البلاد الإسلامية، ووافدة إليها من البلاد الأوربية. لقد نشأت دعوة التعصب للجنس أول ما نشأت في بلاد أوربا في القرن التاسع عشر، واشتد دبيبها، وبلغ أثرها إلى كل الأمزجة حتى أصبحت عاملًا قويًّا من عوامل التغيير والانقلاب في القارة الأوربية، ولم يقتصر أثرها على موطن نشوئها وإنما انتشر وامتد إلى كل أنحاء المعمورة حتى غدا أكبر عامل في تطور الأمة ومصيرها. ويحدثنا التاريخ أن فكرة القومية قد دخلت إلى البلاد الإسلامية عن طريق جماعة الاتحاد والترقي وجمعية تركيا الفتاة، وكانا حزبين يتعاونان مع اليهود، ويعملان على تنفيذ خططهم الماكرة الحاقدة، وقد تأكد لدى المسلمين أن قادة الاتحاد والترقي جميعًا من اليهود من غير استثناء، وإن أعضاء هذا الحزب كلهم من يهود سالونيك، وعلى هذا فإن اليهود هم الذين سعوا جادين لإثارة النزعة الطورانية، والدعوة لها بشتى الوسائل والعمل على إحياء التاريخ الجاهلي المفضل عن التاريخ الإسلامي والأدب القومي والتراث الطوراني. جاء في منشور لإحدى الجمعيات التركية الطورانية: "إن هذه البدعة الخيالية المخيفة التي يسمونها الأمة الإسلامية التي ظلت إلى أمد طويل سدًّا يحول دون التقدم بوجه عام ودون تحقيق الوحدة الطورانية بوجه خاص هي في طريقها الآن إلى التفكك والزوال". وقد أتمت المؤامرة اليهودية عملها في إثارة النزعة الطورانية، والدعوة إلى تبني سياسة التتريك، ودمج العناصر الحكومية في القومية التركية وفرض اللغة التركية عليها، وإبعاد اللغة العربية عن المجالات الرسمية.. وكانت الدولة العثمانية تجمع قوميات متعددة مؤتلفة معها بسبب عقيدة التوحيد، فإذا أبعد الدين الإسلامي وظهرت النزعة التركية العلمانية، وأبعدت لغة القرآن الكريم عن المكاتبات الحكومية، لم يبق رباط جامع يربط بين تلك القوميات المتعددة وبين . القومية التركية. لأن العقيدة وحدها هي التي توحد بين صفوف المسلمين، فإذا فقدت العقيدة زالت معالم التجمع الإسلامي. ومن ثم سرت عدوى القوميات إلى كل الأجناس الخاضعة للحكم العثماني، وطالبت بالانفصال عن الأم إذ لم تخضع لها إلا من أجل العقيدة والشريعة التي يدين بها كل مسلم، وقد أبعدت عنها الإسلام فلم يبق ما يدعو للاستمرار في الخضوع لحكم علماني غير إسلامي، أو للانصهار في بوتقة الدين. وعلى هذا دعت كل جماعة لإحياء قوميتها، إذ كل فئة لا تريد أن تذوب في جنسية غيرها، لأن الجنسية خاصة وليست عامة. وهذا هو الفرق الجوهري بين القومية والإسلام. وعلى أثر ذلك نادى الأكراد بقوميتهم ونادى العرب بقوميتهم، ولا يخفى على أحد التعاون الصليبي اليهودي، في إثارة هذه الفتن، وفي تفتيت الأمة الإسلامية، وفي التخطيط للاستيلاء على أملاك "الإمبراطورية العثمانية". يقول الدكتور عبد الكريم عثمان: "وقد شجع على ظهور القومية العربية في صورتها العلمانية عدد من الدول التي كانت تطمع في احتلال الشرق الإسلامي وعلى رأسها بريطانيا، وفي مذكرات آغاخان فصل عن ضباط بريطانيا السياسيين الذين شجعوا الحركة القومية العربية للوقوف أمام فكرة الدولة الإسلامية. أما "لورنس" منفذ سياسة بريطانيا آنذاك فيقول مصورًا ذلك الهدف في كتابه "أعمدة الحكمة": "وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي الحج، وأتساءل هل تغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية، وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني، وبمعنى أوضح هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني، هذا ما كان يجول في خاطري طوال الطريق". ومعلوم أن الثورة على الأتراك قامت بتأييد بريطانيا ودعمها الأدبي والمادي ودعم حليفتها فرنسا، وقد ثبت أن عددًا من الزعماء كانوا متصلين بالقنصليات الأجنبية لتلقي هذا الدعم". وليس للمسلمين بعد هذا كله من عذر يعتذرون به لتمهيد الطريق أمام دعوة القومية أو إثارة هذه النزعة التي من شأنها تفتيت كيان الأمة وتمزيق وحدتها وجعلها دويلات ضعيفة يسهل للعدو التآمر عليها وغزوها في عقر دارها وتملك ينابيع ثروتها وتشتيت أبنائها، كما فعل في فلسطين وكما يفعل بالأفغان اليوم والله المستعان وعليه التكلان.
المصدر: .:: منتديات الوليد ::. - من قسم: ثقافة و ادب و موروث ثقافي
via مدونة الوليد http://ift.tt/1FCcrpE
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire