dimanche 31 août 2014

العلم الطريق إلى بناء الأمة







العلم الطريق بناء الأمة



أمة الإسلام أمة عظيمة !!



هذه حقيقة لا ينكرها إنسان .. وكيف تُنكَر وقد ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه في أكثر من موضع، بل لم يكتف بالإشادة بعظمتها، ولكنه ذكر تصريحًا أنها خير الأمم مطلقًا، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، فهذه شهادة من رب العالمين الذي خلق الخلق أجمعين، ويعلم ما سبق من أمم، وما هو لاحق، فهذا يثلج صدور المسلمين، ويزرع الثقة اليقينية في قلوب الأمة أنها مهما تقادم عليها الزمان ستظل خير أمة أخرجت للناس.



ومع كون هذه الحقيقة ثابتة، إلا أن هذا لا يمنع أن يحدث للأمة هنّات وأزمات، ولا يُستغرب أن يأتي عليها زمان يتقدم عليها غيرها، وتتراجع الأمة بالتالي من المكانة السامية التي أرادها الله لها، ويُصدِّق ذلك قول ربنا في كتابه الكريم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، فليست هناك أمة -بما فيها أمة الإسلام- تبقى قوية أبد الدهر، وإنما تتناوب الأمم قيادة الأرض، ولكن وعد رب العالمين أن هذه الأمة الإسلامية العظيمة ستظل باقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، وقال: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].





وبرغم اطمئنان قلوبنا إلى هذه البشريات إلا أن النفس تتألم لرؤية الأمة في حالة ضعف أو سقوط، ويخشى الصادقون أن يكون ذلك بسبب تقصير من المسلمين، أو تفريط في قاعدة من قواعد العزة والنهوض، وليس من شك في أن حال الأمة في زماننا هذا -برغم وجود مبشرات كثيرة- إلا أنه ليس كما نتمنى لهذه الأمة العظيمة ونرغب، فأزماتنا كثيرة وفي مجالات متعددة، ومصائبنا جمة، والكوارث ما تركت ركنًا من أركان أمتنا إلا وحلت عليه ووقعت، واتسع -كما يقولون- الخرق على الراقع!





هل هذا وضع يَصْلُح معه سكوت ؟!



إن الواجب علينا في ظل هذه اللحظات الأليمة التي تمر بالأمة أن نقف وقفات جادة أمام هذه الأحداث، فنشخص بدقة أسباب الانهيار، ونصف بصدق وأمانة العلاج الناجع الذي يعيد الأمة إلى مكانتها التي لا ينبغي أن تتخلف عنها.





إن الأمم لا تُبنى بسهولة، كما أنها لا تُبنى بطريقة عشوائية !!





إن بناء الأمم أمر صعب يحتاج إلى جهود متضافرة، وصبر طويل، وعزم أكيد، وهو -في نفس الوقت- يسير وفق خطوات محددة، وسنن ثابتة، لا تبديل لها ولا تغيير، قال تعال: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43].





وعلى الأمة في لحظات ضعفها أن تدرس بعمق الأسس التي ينبغي للأمة أن تُبنى عليها، حتى لا يصبح بناؤنا هشًا ينهار مع أي عاصفة.





إننا يجب أن نتدبر في سنن بناء الأمم التي جاءت في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وفي سنه رسولنا صلى الله عليه وسلم، كما يجب أن نتدبر في سنن بناء أمتنا في مراحلها السابقة، وكيف استطاع المغيِّرون والمجدِّدون من أبناء الأمة المخلصين أن يحوِّلوا الهزيمة إلى نصر، والضعف إلى قوة، والهوان إلى سيادة وتمكين.





وفوق ذلك فإن على المسلمين أن يدرسوا بعمق تجارب بناء الأمم المختلفة من عموم أهل الأرض، وليس بالضرورة أن تدرس تجارب المسلمين فقط، بل على العكس، إن على المسلمين أن يستفيدوا من ميراث الإنسانية، وذلك - بطبيعة الحال - دون التنازل عن شيء من ثوابتنا، أو التخلي عن أمر من شريعتنا.





العلم .. الطريق إلى البناء



وبدراسة متأنية لكتاب الله عز وجل، ولأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والقصص والتاريخ، وكذلك لأحداث الواقع، يتبين لنا -بما لا يدع مجالاً للشك- عدة عوامل تُسهم بشكلٍ متفاعل في بناء أي أمة، ويأتي على رأس هذه العوامل -وبشكل لافت جدًّا للنظر: "العلم"!

وهذا الذي ذكرت ليس خاصًا بأمة الإسلام وحدها، إنما هو أمر ضروري لازم لكل من أراد القيام، مسلمًا كان أو غير مسلم، وشواهد ذلك من القرآن والسنة لا تحصى ولا تعد.





والعلم الذي أعنيه هنا ليس هو العلم الشرعي فقط، بل العلم الحياتي أيضًا، ويشمل ذلك علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء والجغرافيا، وغير ذلك من علوم تصلح بها حياة البشر وتتحسن معيشتهم، فهذا علمٌ لابد منه، وهو يُكوِّن –مع العلم الشرعي- دعامة رئيسية من دعامات الأمة الإسلامية.





ولا يخفى على الناظر إلى حال أمتنا أن قضية العلم لم تأخذ مكانها المناسب في اهتمام المسلمين، على الرغم من التركيز الواضح على هذه الوسيلة المهمة في بناء الأمم في كلمات القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكذلك في أقوال الصالحين والمخلصين من أبناء هذه الأمة.

ولعلَّ عدم دخول العلم في بؤرة اهتمام المسلمين هو أحد أهم الأسباب للحالة غير المُرْضية التي عليها أمتنا في زماننا الحالي، ويصبح واضحًا لجميع أنه لن تقوم الأمة من جديد إلا عندما ينشأ جيل يضع قضية العلم هذه في مكانهاالذي ينبغي أن تكون فيه، كأولوية من الأولويات المهمة جدًّا في اهتمامات الأمة كلها.





وكمحاولة لوضع لبنة في صرح الأمة الإسلامية فكّرت في جمع ما يؤيد أهمية العلم في إعادة الأمة إلى مكانها الصحيح، فتجولت في صفحات القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدت إلى حياة الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين رحمهم الله، وقرأت سِيَر العلماء والمجدِّدين، ودرست تجارب الأمم التي كان لها نصيب في الصدارة والتمكين، فعلت ذلك وغيره، وجمعت من هنا وهناك، ورتبتُ وصنفتُ ما عندي من أوراق، فكانت هذه المقالات !!

أسأل الله عز وجل أن ينفع الأمة الإسلامية بكل حرف في هذه المقالات، وأن يقرَّ أعيننا برؤية أمتنا عظيمة رائدة، وأن يجعل ذلك كله في ميزان حسنات كل من ساهم في هذا العمل أو استفاد منه.







بقلم الدكتور راغب السرجاني












via مدونة الوليد http://ift.tt/1r0R3ET

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire