dimanche 31 août 2014

أتقياء، أصفياء، ولكن غرباء .





أتقياء، أصفياء؛ ولكن غرباء




محمد مصباح مسلم





خلق اللهُ الإنسان ليكون عبدا له، فإنْ لم يكن عبدا لله خالص العبودية، فهو عبد لغيره، إما عبدا للشيطان، أو لهواه، أو للدنيا، أو لما يريد أن يكون عبدا له؛ قال - تعالى -: ﴿ إنا أنْزلْنا إليْك الْكتاب بالْحق فاعْبُد الله مُخْلصا لهُ الدين ﴾ [الزمر: 2].





فإذا جعل العبدُ المؤمن وجهته لله تعالى، لا وجهة غيرها، شعر بالغُرْبة بيْن أقرانه ومن حوله من مُتبعي الشهوات الضالين؛ ذلك لأنه أمين صادق بيْن كاذبين، إيجابي بيْن خانعين وسلبيين، مُعتصم بكتاب الله بيْن حيارى وتائهين، ومجاهد يحْمي الزمار بيْن منبطحين لا يهمُهم أمرُ الدين، غريب في أمور دُنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا، داعٍ إلى الله ورسوله بيْن دُعاة إلى الأهواء والبدع، آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر بيْن قومٍ الإصلاحُ بينهم أمر لا مكان له.





هذا الغريبُ، مع غُرْبته شامخ كالطوْد العظيم، وإن تكاثر من حوله السفهاءُ والجبناء، يشعُر بمعية ربه، يؤمن بأن الله ناصرُه، ولو حشد له الباطلُ جنده؛ ﴿ وإن جُنْدنا لهُمُ الْغالبُون ﴾ [الصافات: 173]، ﴿ إن الله مع الذين اتقوْا والذين هُمْ مُحْسنُون ﴾ [النحل: 128].





وهذا الذي أشار إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : (( بدأ الإسلامُ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطُوبى للغرباء ))، قيل : وما الغُرباء يا رسول الله؟ قال : (( الذين يصلُحون إذا فسد الناس )).





وأشار شيخُ الإسلام إلى الغُرباء بأنهم أهلُ هذه الصفة في قول الله - تعالى -: ﴿ فلوْلا كان من الْقُرُون منْ قبْلكُمْ أُولُو بقيةٍ ينْهوْن عن الْفساد في الْأرْض إلا قليلا ممنْ أنْجيْنا منْهُمْ ﴾ [هود: 116].





فالمؤمن مع إحساسه بغُربته صُلب في معدنه، قوي في إرادته، يشعُر بالعزة؛ لأنه يأوي إلى رُكْن شديد، يستهدفُ إصلاح الفساد في أمته، مهما كلفه ذلك من تضحيات.





يقهر أعذاره، يُؤمن أنه إذا صدق عزمه، وخلصتْ نيته لله تعالى، أُرشد إلى الحيل، فلا يقوى أيُ عُذر على قهْره وتحجيمه، حين يرى توالي المحن على أمته، يُحول طاقة الألم في قلْبه إلى وثْبة عمل، يستمدُ طاقته وقوته بآياتٍ من كتاب الله تعالى، قائما به ليله، داعيا له نهاره؛ ﴿ إن ناشئة الليْل هي أشدُ وطْئا وأقْومُ قيلا ﴾ [المزمل: 6].





قال نافع عن مالك : "دخل عمرُ بن الخطاب المسجد فوجد معاذ بن جبل جالسا إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبكي، فقال له عمر : ما يُبكيك يا أبا عبدالرحمن؟ هلك أخوك؟ قال : لا، ولكن حديثا حدثنيه حبيبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في هذا المسجد، فقال : ما هو؟ قال : قال رسوالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إن الله يحبُ الأخفياء الأحفياء، الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يُفْتقدوا، وإذا حضرُوا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيحُ الهُدى، يخرُجون من كل فتنة عمياء مظلمة )).





وهؤلاء لقلتهم سُمُوا غرباء، فطوبى للغرباء.










via مدونة الوليد http://ift.tt/W1IgGa

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire