lundi 24 novembre 2014

لماذا نحفظ القرآن الكريم؟





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





لماذا نحفظ القرآن الكريم؟





الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي






عباد الله، اتَّقوا الله وأطيعوه لعلَّكم تُرحمون.إنَّ كان القرآن الكريم قد شَرُف وعَلَت منزلته بين الكتب السماوية، وشَرُف مَن عَمِل به، وفازَ مَن آمَن به، وحاز قارئه الأجرَ الكثير، فإن لحافظه من البركات والخيرات الشيء الكثير، كيف لا يكون كذلك مَن حوى كتاب الله تعالى في صدره، وملأ قلبه به، وأكثَر لسانه من تلاوته؟! عباد الله: إنَّ لحفظ القرآن الكريم من الفضائل والفوائد ما يدعو المسلم إلى المسارعة إلى هذا الخير والمشاركة فيه؛ حتى يكون من أهل القرآن الذين هم أهلُ الله وخاصَّته.وإذا كان القرآن الكريم كلامَ الله تعالى، وإليه التحاكُم والحُكم، وهو المرجع عند النزاع والخلاف لدى أُمَّة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فما ظنُّكم بمَن يَحفظه، ويُعنى به، ويشغل به وقته؟!وإليكم جملة من الفضائل والفوائد المترتِّبة على حِفظ كتاب الله تعالى؛ علَّ الهِمَم أن تنهضَ، ولعلنا أن نُدرك ما يفوت من الخير مَن لَم يُبالِ به:




1- إنَّ حِفظه تأسِّيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يَحفظه ويُديم تلاوته، ويَعرضه على جبريل - عليه السلام - في كلِّ عام مرة، وفي السنة التي توفِّي فيها، عرَضه عليه مرتين، وكان - عليه الصلاة والسلام - يُقْرِئُه أصحابه - رضي الله عنهم - ويَسمعه منهم.



.
2- إنَّ في حفظه تأسِّيًا بالسلف، وسيرًا على جادَّتهم، فقد كانوا يَبدؤون بحفظ القرآن ودراسته قبل سائر العلوم؛ قال الإمام ابن عبدالبر: "طلبُ العلم درجات ومناقل، ورُتَبٌ لا ينبغي تعدِّيها، ومَن تعدَّاها جُملة، فقد تعدَّى سبيل السلف - رحمهم الله - فأوَّل العلم حِفظ كتاب الله - عز وجل - وتفهُّمه".ويقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وأما طلبُ حفظ القرآن، فهو مُقدَّم على كثيرٍ مما تُسميه الناس علمًا، وهو؛ إمَّا باطلٌ، أو قليلُ النفع، وهو أيضًا مُقدَّم في حقِّ مَن يريد أن يتعلَّم علمَ الدين من الأصول والفروع، فإنَّ المشروع في حقِّ مثل هذا في هذه الأوقات، أن يبدأَ بحفظ القرآن؛ فإنه أصلُ علوم الدين".



.
3- حِفظ القرآن من خصائص هذه الأُمة؛ يقول ابن الجزري: "إن الاعتماد في نَقْل القرآن على حفظ القلوب والصدور، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأُمة".ولا يزال حفظ القرآن شعارًا لهذه الأمة، وشوكة في حلوق أعدائها؛ يقول أحد المستشرقين: "لعلَّ القرآن هو أكثر الكتب التي تُقرأ في العالم، وهو بكلِّ تأكيد أيسرُها حفظًا".ويقول آخر: "إننا اليوم نجد - على الرغم من انحسار موجة الإيمان - آلافًا من الناس القادرين على ترديده عن ظَهْر قلبٍ، وفي مصر وحْدها من الحُفَّاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الإناجيل عن ظَهْر قلبٍ في أوروبا كلها".



.
4- إنَّ حفظه ميسَّرٌ للناس كلهم، فكم رأى الناس من محدودي الإدراك وضعاف الحفظ، مَن استطاع حفظَ القرآن الكريم، بل حَفِظه الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، وحَفِظه الكبار في السن، وهذا من إعجاز القرآن الكريم؛ قال الماوردي: "الوجه السادس عشر من إعجازه: تيسيرُه على جميع الألسِنة، حتى حَفِظه الأعجمي الأبكم، ودار به لسان القبطي الألْكَن، ولا يَحفظ غيره من الكتب كحِفظه، ولا تَجري ألسِنة البُكْم كجَرْيها به".وقال القرطبي في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]؛ "أي: سهَّلناه للحفظ، وأعنَّا عليه مَن أراد حفظَه، فهل من طالب لحفظه، فيُعان عليه؟".فهذا مما يقوي العزيمة، ويُعلي الهِمَّة في طلب حِفظ كتاب الله تعالى.





.
5- إن حفظَ القرآن مشروع لا يَعرف الفشل، فحين يبدأ الراغب في حفظه، ثم تنتهي عزيمته، ويَضعُف نشاطه وقد حَفِظ بعض أجزائه، فهل يعتبر مشروعه فاشلاً؟إنَّ هذا الجهد لَم يذهب سُدًى، بل هبْ أنه لَم يَحفظ شيئًا يُذكر، فالوقت الذي بذَله في التلاوة والحفظ والمراجعة، وقتٌ قضاه في طاعة الله - تبارك وتعالى - وكم آية وسورة تلاها وقد عَلِمنا أنَّ الحرف من كتاب الله بعشر حسنات..




6- إنَّ حافظ القرآن الكريم يَستحق التكريم والإجلال؛ فعن أبي موسى: ((إنَّ من إجلال الله، إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المُقسط))؛ أبو داود.فحُقَّ لمَن حازَ كلام الله تعالى في صدره، أن يُكْرَم ويُجَلَّ، وحافظ القرآن أَوْلَى الناس بالإمامة في الصلاة، التي هي ثاني أركان الإسلام؛ ((يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله))؛ مسلم..


7- إن الغِبْطة الحقيقية والحسد المحمود، إنما يكون لِمَن حَفِظ القرآن الكريم، وقام بحقِّه؛ ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجَل عَلَّمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسَمِعه جارٌ له، فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتِي فلان، فعَمِلت مثلما يَعمل))؛ الحديث رواه البخاري.



.
8.- إنَّ حفظ القرآن وتعلُّمه خيرٌ من متاع الدنيا؛ فحين يَفرح الناس بالدرهم والدينار، ويَحوزونهما إلى رِحالهم، فإن حافظ القرآن وقارئَه، يَظفر بخيرٍ من ذلك وأبقى، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يَخاطب أهل الصُّفَّة قائلاً: ((أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يوم إلى بُطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْماوَيْن في غير إثمٍ ولا قَطْع رَحمٍ؟))، فقالوا: يارسول الله، نحب ذلك، قال: ((أفلا يَغدو أحدُكم إلى المسجد، فيَعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهنَّ من الإبل))؛ مسلم.ولنتذكَّر أنَّ الإبل أنفسُ أموال العرب في ذلك الزمان.



.
9- في حفظ القرآن رِفعة في الدنيا والآخرة ونجاة من النار؛ ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين))؛ مسلم.وحين يدخل المؤمنون الجنة، فإن حافظ القرآن يعلو غيره، وتعلو منزلته؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرَأ وارقَ ورتِّلْ، كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرَأ بها))؛ الترمذي، قال ابن حجر الهيتمي: "الخبر خاص بمَن يَحفظه عن ظهر قلب، لا بمَن يقرَأ بالمصحف؛ لأن مجرَّد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها، ولا يتفاوَتون؛ قلَّةً وكثرةً".





.
10- حافظ القرآن مع السَّفرة الكرام البَررة؛ ((مثَلُ الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له، مع السَّفرة الكِرام البَررة، ومثل الذي يقرَأ وهو يتعاهَده وهو عليه شديد، فله أجران)).





.
11- حافظ القرآن أكثرُ الناس تلاوة له غالبًا، فهو لن يَحفظه حتى يُكرِّره كثيرًا، ولا يَثبت حفظه إلاَّ بالمراجعة المستمرة، وقد عَلِمنا أنَّ في تلاوة الحرف من كتاب الله عشر حسنات.





.
12- إنَّ حافظ القرآن الكريم يستطيع التلاوة في جميع أحواله، فهو يقرأ ماشيًا ومُضطجعًا، ويقرأ وهو يعمل بيده، أو يقود سيارته، وفي السفر والحضر، أما غير الحافظ، فلا يُمكنه ذلك مهما حرَص.





.
13- إنَّ حِفظ القرآن زادٌ للخطيب والواعظ، وللمعلِّم والمتكلم، إذا كان يَحفظه فهو بين عينيه تَحضره الأدلة والشواهد، فيَنتقي منها ما يُناسبه بخلاف غير الحافظ؛ حيث يَعسر عليه الوصول إلى موضع الآية، فضلاً عن قراءتها حِفظًا.عباد الله: كم من الفضائل يَحوزها مَن أقبلَ على كتاب الله تعالى، وحرَص على حفظه في الدنيا والآخرة.اللهمَّ يارحمن يارحيم، ارزقْنا حفظَ كتابك والعملَ به، وتلاوتَه على الوجه الذي يُرضيك عنا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.







.
الخطبة الثانية



الحمد لله ربِّ العالمين.أمَّا بعدُ: فيا عباد الله: اتَّقوا الله وراقِبوه، وأنيبوا إليه، واستغفروه.عباد الله: وبعد هذا التَّطْواف في هذا البستان الحافل بالخيرات، لمَن أقبَل على كتاب الله وحَفِظ ما يستطيع منه، ينبغي لنا ألاَّ نَحرم أنفسنا من هذا الخير، بل نَرغب فيه ونتعاهذ أنفسنا عليه، ونربِّي أولادنا على محبَّة كتاب الله تعالى، وحِفظ المستطاع منه، وهو - بحمد الله - سهلٌ مُيسَّر، ومتى أقبَل المسلم على حفظه بعزيمة وهِمَّة ورغبة فيما عند الله تعالى، مع شيء من الترتيب والمدارسة والمراجعة، فإنه لن تَمضي عليه سنتان إلاَّ وقد حَفِظه، أمَّا لو كان عظيم الهِمَّة، قويَّ العزيمة، فسيَحفظه - بإذن الله - في أقلِّ من ذلك كما معلوم متواتر.وما أجملَ أن يشبَّ أولادنا على محبَّة كتاب الله تعالى وحِفظه؛ حيث إن أثرَ ذلك ملموس في السلوك والخُلق، بل يكون مُعينًا لهم على دراستهم وتقويم ألسِنتهم كما هو مُشاهَد معلوم.


















via مدونة الوليد http://ift.tt/1rkP6QX

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire