vendredi 28 novembre 2014

الأوْصَاف والتَّشْبيهات والحِكَمُ عِنْد الْعَرَب



عْلَمْ أنَّ العَرَب أودَعَتْ أشعَارَهَا من الأوصَافِ والتَّشْبيهاتِ والحِكَمِ مَا أحاطَتْ بِهِ مَعْرفتها، وَأدْرَكَهُ عِيانُها، ومَرَّتْ بِهِ تَجَارِبُها، وهم أهْلُ وَبَرٍ، صُحُونهم البَوَادي وسُقوفهم السَّماءُ فليسَتْ تَعْدُو أَوْصَافُهُم مَا رَأَوْهُ منهُمَا وَفِيهِمَا، وَفِي كلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا فِي فُصُول الزَّمان على اختلافِهَا من شِتَاءٍ، ورَبيعٍ، وصَيْفٍ، وخَرِيفٍ، من ماءٍ، وهَوَاءٍ، ونارٍ، وجَبَلٍ، ونَبَاتٍ، وحَيَوانٍ، وجَمَادٍ، ونَاطقٍ، وصَامِتٍ، ومُتَحرِّكٍ، وسَاكنٍ، وكلَّ مُتَوَلِّدٍ من وَقْتِ نُشُوئه، وَفِي حَالِ نُمُوِّه إِلَى حَال النِّهاية، فَضَمَّنَتْ أشعَارَها من التَّشْبيهاتِ مَا أدركَهُ من ذَلِك عِيَانُهَا وحِسُّها إِلَى مَا فِي طَبَائعها وأنْفُسِها من مَحْمود الأخْلاق ومَذْمومها فِي رَخَائها وشِدِّتها، ورِضَاها وغَضَبها، وفَرَحِها وغَمِّها، وأمِنْها وخَوفِها، وصِحِّتها وسَقمِهَا، والحالات المُتَصرِّفَة فِي خَلْقِها وخُلقِها من حَال الطُّفولة إِلَى حَالِ الهَرَم، وَفِي حَالِ الْحَيَاة إِلَى










حَالِ المَوت، فَشَبَّهَتِ الشَّيءَ بمثلهِ تَشْبيهاً صَادِقاً على مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ فِي مَعَانِيهَا الَّتِي أرادَتْها. فإذَا تأَمَّلْتَ أَشْعارَهَا، وفَتَّشْتَ جَمِيع تَشْبِيهاتها وَجَدْتَها على ضُروبٍ مُخْتَلفةٍ تَتَدرُّجُ أَنواعُهَا فبعضُها أَحسَنُ من بَعْض، وبَعْضُها ألْطَفُ من بَعْض.



فأحْسَنُ التَّشبيهات مَا إِذا عُكِسَ لم يَنْتَقِضْ بل يكونُ كلُّ مُشبَهٍ بصاحبهِ مثلَ صَاحِبهِ، وَيكون صاحِبُه مثلَهُ مُشَبَّهاً بِهِ صُورةً ومَعْنَىً.

ورُبَّمَا أَشْبَهَ الشَّيءُ الشَّيءَ صُورةً وخَالَفَهُ مَعْنَى، ورُبَّمَا أَشبَهَهُ مَعْنَى وخَالَفَهُ صُورةً، ورُبَّما قارَبَهُ وداناه، أَو شامَهُ وأَشْبَهَهُ مَجَازاً لَا حقِيقةً.

فإِذا اتَّفَقَ لَك فِي أَشْعَار العَرَب الَّتِي يُحْتَّجُ بهَا تَشْبيهٌ لَا تَتَلَقَّاه بقَبُولٍ، أَو حكايةٌ تَسْتَغْربُهَا فابْحَثْ عَنهُ ونَقِّر عَن معنَاه فإنَّك لَا تَعْدم أنْ تَجِدَ تَحْتهُ خَبِيئةً إِذا أَثَرْتَهَا عَرَفْتَ فَضْلَ القَومِ بهَا، وعلِمْتَ أنَّهم أَرَقُّ طبعا مِنْ أنْ يَلْفظوا بكلامٍ لَا مَعْنى تحتهُ.

ورُبَّما خَفِيَ عَليْكَ مَذْهَبُهم فِي سَنَنٍ يَسْتَعملُونَهَا بَينهم فِي حَالاتٍ يصفُونَهَا فِي أَشْعارهم فَلَا يُمكِنُك استنباطُ مَا تحتَ حكايَاتِهمْ، وَلَا يُفْهَم مثلُهَا إلاَّ سَمَاعا، فَإِذا وقَفَتَ على مَا أرَادُوهُ لَطُفَ مَوْقِعُ مَا تَسْمَعُهُ من ذَلِك عِنْد فَهْمَكَ.

والكَلامُ الَّذِي لَا مَعْنى لَهُ كالجَسَد الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ كَمَا قَالَ

! بعضُ الحُكماءِ: للْكَلَام جَسَدٌ ورُوحٌ؛ فجسَدُهُ النُّطْقُ وَرُوحُه مَعْنَاه

فأمَّا مَا وَصَفَتْهُ العَرَبُ وشَبَّهَتْ بعضَهُ ببعضٍ مِمَّا أدْرَكَهُ عِيانُهَا فكثيرٌ؛ لَا يُحْصَرُ عَدَدُهُ وأنواعه كَثْرَةً، .

وأمَّا مَا وَجَدَ فِي أخلاقِهَا، وتَمَدَّحَتْ بِهِ ومدَحَتْ بِهِ سواهَا، وذَمَّتْ من كَانَ على ضِدَّ حَالِها فِيهِ فخِلالٌ مَشْهورةٌ كَثِيرَة:

مِنْهَا فِي الخَلْق: الجَمَالُ والبَسْطةُ. .

وَمِنْهَا فِي الخُلُق: السَّخَاءُ، والشجَاعَةُ، والحِلْمُ، والحَزْمُ، والعَزْمُ، والوفَاءُ، والعَفَافُ، والبِرُّ، والعَقْلُ، والأمانةُ، والقَنَاعَةُ، والغَيْرةُ، والصَدقُ، والصَّبْرُ، والوَرَعُ، والشُّكرُ، والمداراةُ، والعَفْوُ، والعَدْلُ، والإحسَانُ، وصِلَةُ الرَّحِمِ، وكَتْمُ السَّر، والمواناةُ، وأصالَةُ الرأيَ، والأنَفَةُ، والدَّهاءُ، وعُلُوُّ الهِمَّة، والتواضُعُ، والبَيَانُ، والبِشْرُ، والجَلَدُ، والتَّجارِبُ، والنَّقْضُ والإِبرامُ.

وَمَا يتفَرَّعُ من هَذِه الخِلالِ الَّتِي ذكَرْنَاهَا من قِرَى الأضْيَافِ، وإعْطَاءِ العُفَاة، وحَمْلِ المَغَارم، وقَمْعِ الأعْداءِ وكَظْمِ الغَيْظ، وفَهِم الأُمورِ، ورِعَايةِ العَهْدِ، والفِكْرَةِ فِي العوَاقبِ، والجدِّ والتَّشْمير، وقَمْعِ الشَّهوات، والإيثَار على النَّفْس، وحِفْظ الوَدَائعِوالمُجَازاةِ، وَوَضْعِ الأشْيَاءِ موَاضعهَا، والذَّبِّ عَن الحَرِيم، واجتلاب المحَبَّةِ والتَّنزهِ عَن الكَذِبِ، واطْراحِ الحِرْصِ، وادِّخارِ المَحَامِد والأجرِ،

والاحتراز من العَدُوِّ، وسيادةِ العَشِيرة، واجتنَاب الحَسَدِ، والنكَايَةِ فِي الأَعداءِ، وبُلوغِ الغَايَات، والاستِكْثارِ من الصِّدْق، وَالْقِيَام بالحُجَّةِ، وكبْتِ الحُسَّادِ، والإسْلاَفِ فِي الخَيرِ، واستدامَةِ النِّعمة، وإصْلاَحَ كلِّ فاسدٍ، واعتقادِ المِنَنِ، واستعْبَادِ الأحْرارِ بهَا، وإينَاسِ النَّافِرِ، والإقْدامِ على بَصِيرةٍ، وحِفْظِ الجَار.



وأضْدَادُ هَذِه الخِلالِ: البُخْلُ، والجُبْنُ، والطَّيْشُ، والجَهْلُ، والغَدْرُ، والاغْتِرَارُ، والفَشَلُ، والفُجورُ، والعُقُوقُ، الخِيَانةُ، والحِرْصُ، والمهانَةُ، والكِذبُ، والهَلَعُ، وسُوءُ الخُلُقِ، ولؤمُ الظَّفَرِ، والجَوْرُ، والإِسَاءةُ، وقَطِيعةُ الرَّحم، والنَّميمَةُ، والخلافُ، والدَّناءةُ، والغَفْلَةُ، والحَسَدُ، والبَغْيُ، والكِبْرُ، والعُبوسُ، والإضَاعَةُ، والْقُبْحُ، والدَّمَامَةُ، والقَمَاءةُ، والاستحلالُ، والخَوَرُ، والعَجْزُ، والعِيُّ.


ولتلك الْخِصَال المَحْمودةِ حَالاتٌ تُؤَكَّدهَا وتُضَاعِفُ حُسْنَها، وتَزيدُ فِي جَلالَةِ المُتَمسِّكِ بهَا، كَمَا أنَّ لأضْدَادِهَا أَيْضا حالاتٌ تَزيدُ فِي الحَطِّ مِمَّن وُسِمَ بشَيء مِنْهَا، ونُسِبَ إِلَى استِشْعَار مَذْمُومِهَا، والتَّمَسُّك بفاضِحِهَا؛ كالجُود فِي حَال العُسْر؛ موقِعُهُ فوِقَ مَوْقِعِه فِي حَال الجِدَةِ، وَفِي حَال الصَّحْوِ أحْمَدُ مِنْهُ فِي حَال السُّكر، كَمَا أنَّ

البُخْلَ من الوَاجد القَادرِ أشْنَعُ مِنْهُ من المُضْطَرِّ العَاجِز، والعَفْوُ فِي حَال القُدرةِ أجَلُّ مَوْقِعاً مِنْهُ حَالِ العِجْز، والشَّجاعَةُ فِي حَال مُبارَزَة الأقْران أحْمَدُ مِنْهَا فِي حَال الإحراجِ وَوُقوعِ الضَّرورة، والعِفَّةُ فِي حَال اعتراضِ الشَّهَوات والتَّمكُّن من الهَوَى أفْضَلُ مِنْهَا فِي حَال فُقْدانِ اللَّذاتِ واليَأسِ من نَيْلها، والقَنَاعَةُ فِي حَال تَبَرُّح الدُّنْيَا ومطامِعِها أحْسَنُ مِنْهَا فِي حَال اليَأسِ وانقطاعِ الرَّجَاء مِنْهَا.

وعَلى هَذَا التَّمثيلِ، جَميعُ الخِصَال الَّتِي ذَكَرْناهَا، فاستَعْمَلَتِ العربُ هَذِه الخِلاَل وأضْدادَها، ووَصَفَتْ بهَا فِي حَالَيْ المَدْحِ والهِجَاءِ مَعَ وَصْفِ مَا يُسْتَعدُّ بِهِ لَهَا ويُتَهَيَّأَ لاستعَمالهِ فِيهَا، وشَعَّبَتْ مِنْهَا فُنُوناً من القَوْل، وضروباً من الأمْثال، وصُنُوفاً من التَّشْبيهات.
















via مدونة الوليد http://ift.tt/1w04rNk

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire