dimanche 7 décembre 2014

أتـرك أثـراً قبـل الرحيـل



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما


بعد:





فإن من أعظم الأعمال أجراً، وأكثرها مرضاة لله سبحانه وتعالى، تلك التي يتعدى نفعها إلى الآخرين، وذلك لأن نفعها وأجرها وثوابها لا يقتصر على العامل وحده، بل يمتد إلى غيره من الناس، حتى الحيوان، فيكون النفع عاماً للجميع.





ومن أعظم الأعمال الصالحة نفعاً، تلك التي يأتيك أجرها وأنت في قبرك وحيداً فريداً، ولذا يجدر بالمسلم أن يسعى جاهداً لترك أثر قبل رحيله من هذه الدنيا ينتفع به الناس من بعده، وينتفع به هو في قبره وآخرته، وصدق الله في قوله: ]وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [ [المزمل:20].

















الفرق بين النفع المتعدي والنفع القاصر



النفع المتعدي: هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواءً كان هذا النفع أخروياً : كالتعليم والدعوة إلى الله تعالى، أو دنيوياً : كقضاء الحوائج، ونصرة المظلوم وغير ذلك.





أما النفع القاصر: فهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه على فاعله فقط، كالصوم، والاعتكاف وغيرهما.





أيهما أفضل النفع المتعدي أم النفع القاصر؟




نص فقهاء الشريعة على أن النفع المتعدي للغير أولى من النفع القاصر على النفس.

ولذا قال بعضهم: إن أفضل العبادات أكثرها نفعاً، وذلك لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص دالة على فضل الاشتغال بمصالح الناس، والسعي الحثيث لنفعهم وقضاء حوائجهم، ومن أبرزها ما يلي:





عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب» ([1]).





وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم»([2]).





عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً»([3]).





كما أن صاحب العباد القاصرة على النفس إذا مات انقطع عمله، أما صاحب النفع المتعدي فلا ينقطع عمله بموته.





وقد بعث الله الأنبياء بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم، ولم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد وترك مخالطة الناس ([4]).





وهذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس، ولا يعني ذلك أن كل عمل متعدي النفع أفضل من كل عمل قاصر، بل الصلاة والصيام والحج عبادات قاصرة – في الأصل – ومع ذلك هي من أركان الإسلام ومبانيه العظام.

ولذا قال بعض العلماء : (أفضل العبادات: العمل على مرضات الرب في كل وقت مما هو مقتضي ذلك الوقت ووظيفته)([5]).





نفع الناس من صفات الأنبياء والرسل:




إن النفع المتعدي هو طريق الأنبياء والرسل، ووظيفة من سلك سبيلهم، واقتفى أثرهم، فهم أنفع الناس للناس، وهم الذين يهدون الناس إلى الله تعالى، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وذلك بدعوتهم إلى توحيده، الذي لا عز ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا به.





ونفع الأنبياء للناس لا يشمل أمور الآخرة فقط، بل كذلك أمور الدنيا: فيوسف عليه السلام تولى الخزائن لعزيز مصر : ]قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [ [يوسف:55]، فكان في ذلك الخير والنفع والنجاة من سنوات القحط والجذب التي أصابت البلاد.





وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه جماعة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.





-ونبينا صلى الله عليه وسلم كانت خديجة رضي الله عنها تقول في وصفه صلى الله عليه وسلم : (كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)([6]).

وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون:




-فأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يصل الرحم ويساعد المحتاجين، ولذلك لما أراد قومه أن يخرجوه قال له ابن الدغنة المشرك : (إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)([7]).





-وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعاهد الأرامل، ويسقي لهن الماء ليلاً.





-وعلى بن الحسين رحمه الله كان يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في ظلام الليل، فلما مات فقدوا ذلك، قال ابن إسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم في الليل ([8]).





وهكذا الصالحون من هذه الأمة إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق، فرحوا بها فرحاً شديداً، وعدوا ذلك من أفضل أيامهم!.





-كان سفيان الثوري رحمه الله ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه! ويقول: (مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي).

- وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (نعم السائلون، يحملون أزوادنا إلى الآخرة، بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان).




عظم أجر النفع المتعدي من الكتاب والسنة:



1- قال تعالى: ]وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [ [العصر:1-3).





قال السعدي رحمه الله: أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، إلا من اتصف بأربع صفات:





- الإيمان بما أمر الله تعالى بالإيمان به.





-العمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.





- التواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي : يوصي بعضهم بعضاً بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.





- التواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسارة، وفاز بالربح العظيم ([9]).





إذا فنجاة الإنسان من الخسران موقوفة على سعيه في نفع الآخرين ونصحهم وتوصيتهم بالحق والصبر.





2- أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير الناس أنفعهم للناس عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس»([10]).





وقال المناوي رحمه الله : (خير الناس أنفعهم للناس) بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد الله، وأحبهم إليه أنفعهم للناس أي : أكثرهم نفعاً للناس بنعمة يسديها، أو نقمة يدفعها عنهم ديناً أو دنيا، ومنافع الدين أشرف قدراً وأبقى نفعاً([11])، قال ابن القيم رحمه الله : (وقد دل العقل والنفع والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله، واستدفعت نقمه، بمصل طاعته والإحسان إلى خلقه)([12]).





3- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له، أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام» ([13]).





قوله صلى الله عليه وسلم : «ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب غلى من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهراً»، لأن الاعتكاف نفعه قاصر على العبد، أما المشي في حاجة الناس فنفعه متعدٍ للغير، وهو أنفع للعباد قطعا.





وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟

قال : نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض حوائج المسلمين، إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه ن لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنياً بها فلا يعتكف، لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها متعد، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته ([14]).





4- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة»([15]).





وفي لفظ له «ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقه، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقه»([16]).





عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا مر به وهو يغرس غرساً بدمشق، فقال له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! فقال : لا تعجل على، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من غرس غرساً لم يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله عز وجل إلا كان له صدقة»([17]).





قال النووي رحمه الله: (في هذه الأحاديث فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغرس والزرع، وما تولد منه إلى يوم القيامة. وفي هذه الأحاديث أيضا أن الإنسان يثاب على ما سرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما. وقوله صلى الله عليه وسلم : «ولا يرزؤه» أي ينقصه ويأخذ منه)([18]).



([1] ) رواه أبو داود (3641) وهو صحيح الجامع (4212).



([2] ) رواه مسلم (34).



([3] ) رواه مسلم (2674).



([4] ) رواه البخاري (4776)، ومسلم (5).



([5] ) انظر مدارج السالكين (1/85-87).



([6] ) رواه البخاري (3).



([7] ) رواه البخاري (2175).



([8] ) سير أعلام النبلاء (4/393).



([9] ) تيسير الكريم الرحمن (934).



([10] ) رواه الطبراني في الأوسط (5949)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (426)..



([11] ) أنظر فيض القدير (3/481).



([12] ) الجواب الكافي (9).



([13] ) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (36)، وحسنه الألباني في الترغيب (2623).



([14] ) مجموع فتاوي ابن عثيمين (20/126).



([15] ) رواه مسلم (1553).



([16] ) رواه مسلم (1552).



([17] ) رواه أ؛مد (27546) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2600).



([18] ) شرح النووي على مسلم (5/396).








via مدونة الوليد http://ift.tt/1IlKZ1y

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire