mardi 2 décembre 2014

جبر الكسر في الأسباب المعينة لأداء صلاة الفجر



جبر الكسر



في الأسباب المعينة لأداء صلاة الفجر





بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:




فإن من الظواهر السيئة والبوادر الخطيرة التي تنذر بالخطر والعقوبة وتبعث على الخوف وتستدعي منا الوقوف والتأمل ومعرفة الأسباب والعلاج- ما نراه من تخلُّف كثير من المصلين عن صلاة الفجر وأدائها في غير وقتها، ولعل السبب في ذلك السهر الطويل، والعكوف على أجهزة اللهو الساعات الطوال، ولقد كان آباؤنا وأجدادنا إلى زمن ليس بالبعيد يحرصون أشد الحرص على النوم مبكرين، فيغلقون بيوتهم بعد صلاة العشاء ويتخففون من الطعام، فيقوم الواحد منهم لصلاة الفجر وهو طيب النفس، لذلك عاشوا عيشة هنيئة مليئة بالاستقرار النفسي والصحي، وأحسوا بطعم الحياة، ولما دخلت علينا المدنية الحديثة أفسدت علينا ديننا ودنيانا؛ فكان من نتيجة ذلك أن دبَّ الكسل والخمول في النفوس، وترهلت الأجسام، وتراكمت الشحوم عليها، وقلّت الحركة وكثُر نوم الإنسان وعجز عن القيام ببعض الأعمال البسيطة، ولعلنا من خلال هذا الموضوع أن نتلمس الأسباب المعينة للاستيقاظ لصلاة الفجر.




فمن الأسباب لمعينة للاستيقاظ لصلاة الفجر:




1- أن يحرص الإنسان على النوم مبكرًا:




وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وقد استثنى من ذلك حالات؛ منها ما ذكرها الإمام النووي في شرحه على مسلم، قال رحمه الله: سبب كراهة الحديث بعدها أن يؤدي إلى السهر، ويُخَاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار، أو الأفضل، والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه؛ كمُدَارسة العلم وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة، ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه.




2- أن يحرص المسلم على آداب النوم:




كالدعاء قبل النوم، وجمع الكفين والنفث فيهما والنوم على طهارة، ويحرص على أداء ركعتي الوضوء، كما أن على المسلم أن يستعين بمن حوله من أهله ووالديه وأقاربه وجيرانه فيوصيهم بالاستيقاظ، وعليه أن يبادر إلى الاستيقاظ إذا أُوقظ، ولا يتثاقل ويتكاسل حتى لا يتصف بصفات المنافقين الذين إذا أتوا إلى الصلاة أتوا وهم كسالى.




3- عمارة القلب بالإيمان والعمل الصالح:




فمتى كان الإيمان حيًّا يقظًا دفع صاحبه إلى العلم الصالح، وشمَّر عن ساعد الجد وواصل المسير بلا كلل ولا ملل؛ فشجرة الإيمان في القلب تثمر إذا سُقيت بروافد العمل الصالح؛ فتؤتي أكلها سلوكًا وتعاملاً حسنًا مع المجتمع، فالإيمان يَذْبُل وينكمش على حسب قوة الروافد وضعفها، وعلى حسب المؤثرات الخارجية التي ترد على القلب من الشهوات ونحوها، والقلب القاسي هو الذي لا تؤثر فيه المواعظ؛ لذا كان لزامًا على المسلم أن يتجنب ما يكون سببًا في قسوة قلبه من فضول الطعام والشراب والكلام والنظر والسماع، ويحرص على تحقيق قلبه من المؤثرات الخارجية.




4- البعد عن المعاصي:




بصرف البصر عما يحرم النظر إليه، وكذا حفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما يخصها من عبودية، فيشغل البصر بالنظر في كتاب الله وتلاوة آياته والتفكر فيما في هذا الكون من مخلوقات ومطالعة كتب العلم، وهكذا سئل أحد السلف عن السبب في عجزهم عن القيام لصلاة الليل، فقال: قيدتكم ذنوبُكم.




فلا شك أن الذنوب تكون سببًا في حرمان العبد الطاعة والتلذذ بها، والذنوب -كما قال الإمام ابن القيم- جراحات، ورب الجرح وقع في مقتل.




5- أن يدرك ما ورد في فضل صلاة الفجر من الأجر العظيم والثواب الجزيل:




وما ورد في ذم تاركها مع الجماعة ومؤخرها عن وقتها من الزجر والتوبيخ، من ذلك ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله» رواه مالك ومسلم واللفظ له، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنه أو قال: في أذنيه». والبول حقيقي كما قال الإمام القرطبي، فهو يبول وينكح ويتناسل بكيفية لا يعلمها إلا الله([1])، وإن أردت أن تتحقق من هذا فانظر إلى وجوه الذين يأتون للأعمال ولم يشهدوا صلاة الفجر مع الجماعة، انظر إلى وجوههم في أول الدوام إذا رأيت وجوههم تستعيذ بالله من شأنهم وحالهم، وماذا يكون حال إنسان بال الشيطان في أذنيه.




6- أن يدرك الآثار المترتب على التخلف:




من تكدر النفس وانقباضها وفوات كثير من المنافع الدينية والدنيوية، وأن يدرك نقيض ذلك: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد؛ يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها؛ فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود.




والوقت الذي يعقب صلاة الفجر كله خير وبركة، حرص النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامه وشغله بالذكر، فلقد كان يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، لقد حرص السلف الصالح على الالتزام بهذه السنة، فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية -كما ينقل عنه تلميذه ابن القيم- يجلس بعد الصلاة يذكر الله وكان يقول: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة» يعني بذلك ما يحصل للعابد من لذة المناجاة التي لا نسبة بينها وبين لذات الدنيا بأسرها، وكان يقول -رحمه الله- -كما ينقل عنه تلميذه-: «هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي»([2]).




ووقت ما بعد صلاة الفجر كله خير وبركة، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فيه بالخير والبركة، فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ لذا نجد أصحاب الحرف والمهن والتجارة يحرصون على اغتنام هذا الوقت الفضيل؛ لما فيه من الخير والبركة، روى الترمذي عن صخر الغامدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم أول النهار، وكان صخرٌ رجلاً تاجرًا، وكان إذا بعث تجارة بعث أول النهار، فأثرى وكثر ماله([3]). والذين ينامون في هذا الوقت الثمين ويستغرقون في نومهم في الصحوة حرموا أنفسهم بركة هذا الوقت.




أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة؛ منها: «تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون(3) في الجوِّ عند الفجر، وتقل تدريجيًّا حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري والعضلي؛ بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار والليل»([4]).




7- أن يحرص المسلم على أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين:




فإن حضور صلاة الفجر مع الجماعة دليل على قوة الإيمان والبراءة من النفاق؛ لمشقة هذا الوقت على النفس؛ لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم والبخاري: «إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا» ويقسم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود فيقول: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق»([5]). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا فيه الظن» رواه البزار والطبراني وابن خزيمة في صحيحه([6]).




وإذا أردت أن تزن إيمان الرجل ومدى صدقه وإيمانه فانظر إلى حاله مع صلاة الفجر؛ فإن كان ممن يشهد صلاة الفجر مع الجماعة فذلك مؤشر على قوة الإيمان، وإذا كان لا يشهدها مع الجماعة فهذا برهان على خلل في إيمانه وقسوة قلبه واستسلامه لنفسه وهواه وانهزامه أمام نفسه، وإذا كان الرجل يشهد صلاة الفجر فلنشهد له بالإيمان؛ فهي المحك على صدق إيمان العبد؛ لأنه حقق أكبر انتصار وهو انتصاره على نفسه وتغلبه على لذة النوم والفراش.




فكيف يهنأ هذا المتخلف بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون، إن من آثر لذة الفراش على لذة المناجاة إنه في الحقيقة هو الخاسر المحروم.






([1] )انظر: فتح الباري 3/28.



([2] )الوابل الصيب ص53.



([3] )صحيح سنن الترمذي 2/4.



([4] )مع الطب في القرآن الكريم ص108، عبد الحميد دياب.



([5] )رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.



([6] )صحيح الترغيب والترهيب 169.








via مدونة الوليد http://ift.tt/1yBGVF2

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire