samedi 6 décembre 2014

أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها



بسم الله الرحمن الرحيم






مقدمة



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:



فحريُّ بالمسلم والمسلمة معرفة أصحاب الفضل ممن صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا معه وجاهدوا في سبيل الله وصبروا على المشقة والعنت والأذى، والضيق لرفعة راية هذا الدين.





وممن لهم قدم صدق وجهاد معلوم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد! فيا ترى من هي هذه الأم الفاضلة؟




نسبها وولادتها:




كان والدها خويلد بن نوفل زعيم بني أسد بن عبد العزى شقيق عبد مناف وخليفته.. إليه ينتهي الفضل والكرم والسيادة بين قومه وعشيرته يطيعونه ويهابونه ويحترمون رأيه ويقدرونه.




ولقد حفظت قريش له شجاعته عندما تصدى له تبع ملك اليمن حين أراد أن يحمل معه الحجر الأسود إلى بلاده فمنعه من ذلك فنصبته قريش زعيمًا عليها لا ينازعه في ذلك أحد.




وكان له أخ اسمه (ورقة) اشتهر بين الناس بالحكمة وسداد الرأي وهو أحد أربعة خاصموا قريشًا في وثنيتها وعبادتها للأصنام ولما لم تستجب لهم اعتزلوها وما تعبد من دون الله.




ولادتها:




تزوج خويلد من فاطمة بنت زائدة بن الأحم القرشية – أجمل سيدات مكة – وأكثرهن صباحة وجه، وروعة حسن، فولدت له خديجة – رضي الله عنها – فكانت صورة عن والدتها إذ ورثت عنها الجمال الرائع والحسن الفتان، كما ورثت عن والدها خويلد الحزم والذكاء، واكتسبت من عمها ورقة العلم والحكمة.




نشأتها:

نشأت خديجة رضي الله عنه في بيت طاهر كريم مترف، ولما بلغت الخامسة عشر من عمرها خطبها (أبو هالة بن زرارة) مفتي قومه بني تميم وأكثرهم مالاً وأوسعهم ثراء..




فعاشت معه تقدره ويقدرها، وولدت له بنتين هما هالة وهند.. ولكن عجل القدر بوفاة الأب قبل أن تشب الطفلتان عن الطوق، وخلف لأسرته ثروة طائلة وتجارة رائجة رابحة.




ولما عرف عن خديجة – رضي الله عنها – من حسن وخلق، تنافس فتيان العرب على الاقتران بها، وفاز من بينهم عتيق بن عائد المخزومي.




وكان القدر بالمرصاد أيضًا، فلم يدع الزوجين يهنأن وينعمان، فاختطفت يد المنون عتيقًا دون أن ينجب ولدًا.




في ميدان التجارة:




انتقل عتيق إلى الدار الآخرة، وقد خلف لزوجته مالاً وخيرًا وثروة عريضة وتجارة واسعة فقامت على إدارتها وتوجيهها بما أبدته من خبرة ومعرفة وذكاء واستطاعت أن تمضي في دروب الحياة وتشقها بمنتهى الحكمة والفطنة، وكانت كلما تقدم إليها خاطب ردته بأدب ولباقة.. عازفة عن الزواج: لأنها قد مرت من قبل بتجربتين مريرتين.




لقد عملت خديجة – رضي الله عنها – في ميدان التجارة واستطاعت أن تؤسس في مكة بيتًا ضخمًا أصبح من بعد علمًا عليها، يعرف بها ورحلت قوافلها تمضي مصعدة إلى الشام أو هابطة نحو اليمن.. تغزو الأسواق تحمل منها ما يدر عليها الربح الوفير والمال الكثير.




الطاهرة (سيدة قريش):




لكن شهرتها – رضي الله عنها – لم تقف عند حد المال والجمال.. بل تعدت ذلك إلى سيرتها التي كانت نبراسًا لكل فتاة ولكل أم، فعُرفت بين القاصي والداني بلقبي (الطاهرة) و (سيدة قريش) وكانت يد العناية الإلهية هي التي تحرك وتصرف.




وتعد خديجة لأن تكون بعد زمن يسير المسلمة الأولى.. وأم المؤمنين الأولى.. وسيدة نساء العالمين.. والزوجة المجاهدة الصابرة.




الأمين على تجارة خديجة:




كان الأمين صلى الله عليه وسلم حديث الناس في مكة بللا استثناء صفاته وأخلاقه ويحترمون أمانته وورعه، ويكبرون صدقه وصواب رأيه.




ولقد ترك كل ذلك في نفوس القرشيين عمومًا والمكيين خصوصًا انطباعًا في تقديره واحترامه صلى الله عليه وسلم.




وكانت خديجة بنت خويلد ممن يسمعون أخباره وأنباءه ويصغون إليها بإعجاب مشوق بلهفة، وكثيرًا ما حدثها بذلك خزيمة ابن عمها صديق (محمد) ورفيقه، وتحركت في أعماق نفسها مشاعرها وأحاسيسها.




فوجدت ذاتها يومًا ترسل رسولاً إلى أبي طالب تعرض عليه عرضًا سخيًا مقابل أن يتولى محمد الأمين أمر تجارتها وقوافلها المحملة بمختلف البضائع والعروض.. ورضي محمد بذلك واستبشر خيرًا بأفق جديد ينفتح في آفاق الحياة الرحبة وتهيأ للرحيل لكن (أبا طالب) كان شديد القلق على ابن أخيه الذي وصاه به خيرًا الراهب بحيرا فأتى إلى ميسرة غلام (خديجة) يحذره ويوصيه بمحمد وإزاء ذلك تركز اهتمام ميسرة على محمد صلى الله عليه وسلم يراقبه ويرعاه، تنفيذًا لوصية أبي طالب ولقد رأى ميسرة من أمر محمد العجب العجاب.




شخصية خارقة، وخلق دمث، وكلمة متزنة، ومشية كلها وقار، وحديث كله عذوبة وأمانة ما بعدها، وصدق بالغ وحنكة ودراية يعجز عنها فحول التجار، ورأى ما لا يمكن أن يستهان به، أو يمر به مرور الكرام.




رأى السماء تظله بظلالها حين يشتد لهيب الشمس وغمامة تتبعه في تنقلاته وتحركاته لتحميه من القيظ الشديد، وعندما آوى مرة إلى شجرة ليستريح في بعض ظلها أورقت.. واخضرت وزهت. لقد كان ما يراه ميسرة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم غير مألوف بالنسبة إلى الناس فازداد حرصه الشديد عليه ورعايته له في الحل والترحال.


العودة الميمونة:




عندما عادت القافلة إلى البلد الحرام مكة المكرمة وقد ربحت بضاعتها وكثرت عليها وكان ربحها كثيرًا وفيرًا.. وعندما أذن مؤذن العير بالوصول فاقت خديجة – رضي الله عنها – على غير عادتها إلى سطح دارها تراقب القافلة، واللهفة بادية على وجهها.




وبكلمة وجيزة وأدب جم ووقار باسم أمضى (محمد) إلى (خديجة) بوقائع الرحلة وبعد انصرافه صلى الله عليه وسلم من عندها حدثها غلامها ميسرة عن البيع والشراء الوفير الذي يفوق أضعاف ما كانت تكسبه في المرات السابقة.. صفى ميسرة بين يدي سيدته شئون القافلة المالية، و (خديجة) – رضي الله عنها – في كل ذلك سماعة له مصغية بأذنيها وعواطفها تستزيده وسرح بها خيالها فكان قلبها يزداد خفقانًا ويضج بين جوانبها.




بين الواقع والرؤيا:




وقد رأت رضي الله عنها في منامها الشمس عظيمة مضيئة مشرقة.. أشد ما يكون الضوء جلالاً وجمالاً وسطوعًا تهبط إلى دارها من سماء (مكة) فيغمر ضؤوها ما يحيط به من أماكن وبقاع.




فسعت إلى ابن عمها (ورقة بن نوفل) تحدثه بذلك فقال لها: لك البشرى يا خديجة يا ابنة العم.. فهذه الشمس المضيئة علامة على قرب مجيء النبي الذي أظل زمانه.. ودخولها في ذلك دليل على أنك التي ستتزوجين منه.


رجع الرؤيا:




فكرت في ذلك مليًا، ثم استقرت على قرار، مضت إلى دار ابن عمها ورقة وحدثته من جديد بحديث ميسرة عن (محمد) والغمام الذي كان يظله في تنقلاته يحميه من وهج الشمس ولفحها وآذاها.. فهتف ورقة قدوس.. قدوس.. لقد قرب الأوان، واستدار الزمان، وآن له أن يشهد الآية الكربى وأبدت (خديجة) رغبتها لابن عمها بالاقتران من (محمد بن عبد الله) فوافقها.




وغادرت إلى دار هاشم ثم أرسلت نفيسة إلى محمد صلى الله عليه وسلم تذكرها عنده وتعرض عليه نفسها، فقال صلى الله عليه وسلم لنفيسة:




- ما بيدي ما أتزوج به..

- قالت: فإن كفيت ذلك.. ودعيت إلى الجمال والشرف.. ألا تجيب؟

- قال: فمن هي؟

- قالت: خديجة.

- قال: خديجة بنت خويلد.

- قالت: نعم.

- قال في ابتهاج: وكيف لي بذلك؟

- قالت: أنا أفعل.

- فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا رضيت.




الزواج الميمون:




عمت الفرحة بيوت الهاشميين، وتناقل الناس النبأ العظيم وتقدم: (أبو طالب) يفتتح الحفل بالخطبة. فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا بيتًا محجوبًا وحرمًا آمنًا، وجعلنا حكامًا على الناس.




أما بعد.. فإن ابن أخي هذا (محمد بن عبد الله) لا يوزن برجل إلا رجح به شرفًا ونبلاً وفضلاً وعقلا، وإذا كان في المال كل فإن المال ظل زائل وأمر حائل.




و (محمد) من قد عرفتم قرابته وقد خطب (خديجة بنت خويلد) وبذل ما عاجله خمسمائة درهم وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم.




ثم تكلم ورقة بن نوفل ابن عم خديجة فقال:




الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله، لا تنكر العشيرة فضلكم، ولا يرد أحد عن الناس فخركم وشرفكم وقد غبنا في الاتصال بحيلكم وشرفكم فاشهدوا علي يا معشر قريش بأني قد زوجت (خديجة بنت خويلد) من (محمد بن عبد الله) على الصداق المسمى. ثم سكت.. فقال له أبو طالب قد أحببت أن يشركك عمها، فقام عمرو بن أسد فقال: اشهدوا علي يا معشر قريش أني قد أنكحت (محمد بن عبد الله) (خديجة بنت خويلد) فهو والله الفحل الذي لا يقرع أنفه.. ثم احتفل بالزفاف وأمرت خديجة مواليها أن يضربن بالدفوف ويغنين، وقال أبو طالب: الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ودفع عنا الغموم.. وتأسس البيت النبوي الكريم.





وكانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها يومذاك في الأربعين من عمرها والنبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة والعشرين.





وانتقل عليه الصلاة والسلام من بيت عمه أبي طالب إلى بيت خديجة ومرت أيام الحياة الزوجية على أهنأ ما تكون، فقد كان هذا الزواج في حقيقته زواج عقل راجح إلى عقل راجح وأدب جم وطيب خلق إلى مثله.





زهرات بيت النبوة:





وبعد مرور عام وبعض عام أنجبت خديجة رضي الله عنها (زينب) كبرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فملأت البيت بالحركة والحيوية.. وبعد ذلك بعام وضعت (رقية) فكانت محل الحب والإعزاز.. ثم عقبتها (أم كلثوم) ثالثة النجوم... فتهاجس الناس في أندية قريش بأن محمدًا لا يرزق إلا بنات.




وحين دخل العاشر من الزواج الميمون كانت قد حملت خديجة وتمنى المحبون الغيورون أن يكون المولود ذكرا.. وحلت في ذلك العام بقريش كارثة؛ إذ احترقت أستار الكعبة ومر بها سيل جارف فصدع جوانبها وأسقط بعض جدرانها، وتنافس الناس في البناء بعد رهبة وفزع وشمَّر الجميع عن ساعد الجد.. وحينما بلغوا موضع الحجر الأسود اختلفوا... إذ تطلعت كل قبيلة لأن تحظى بشرف إعادته إلى مكانه من الركن، ثم اشتد النزاع وامتدت الأيدي إلى مقابض السيوف، ولولا كلمة صدرت عن أمية بن المغيرة المخزومي فحجزتهم لفتك بعضهم ببعض إذ قال لهم: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم، فقبلوا جميعًا ثم تعلقت عيونهم على الباب تنتظر القادم المجهول.. بينما هم كذلك إذ أقبل وجه يضيء كأنه البدر ليلة التمام عليه الصلاة والسلام، فصاح الناس جميعًا: هذا محمد بن عبد الله رضينا بحكمه واستبشرنا بطلعته.




الحكمة النبوية:





ثم حكموه فيما هم فيه مختلفون، وبحكمته البالغة صلى الله عليه وسلم حُقنت دماء قريش في قصة معروفة وغادرهم إلى بيته قلق البال على زوجته التي تركها وهي تعاني من آلام الوضع وعلى بعد خطوات من باب بيته صلى الله عليه وسلم تلقى البشرى لقد وضعت خديجة الوليدة الجديدة الرابعة (فاطمة الزهراء) وجاءت الزهراء مع البشرى.




وبعد أن رزق صلى الله عليه وسلم منها الذرية.. بدأ فجر الإسلام ينبثق فتتابعت الرؤى يردف بعضها بعضًا.. فأخذ يحدثها بكل ما يراه ويعتريه.. فتستمع له بنفس مبتهجة وصدر منشرح وجميع أحاسيسها ومشاعرها لا تفارق الابتسامة العذبة فمها ثم تثبته على ما هو فيه وتبعث في ذاته الشريف العزم والتصميم.. وفي غار حراء وعندما هل هلال رمضان من ذلك العام.. كان انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وخلواته وتأملاته أشد من ذي قبل وأبلغ وكانت خديجة تهيئ له زاده وتوفر جو الخلوة في سكنه، داعية ربها بأن يحفظه ويكلأه ويرعاه وفي يوم البشرى هبط جبريل بالأمر إلى الرسول الأمين قائلاً له: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ.. فغطه جبريل ثم أرسله وقال: اقرأ فعل ذلك ثلاث مرات بعد ذلك غادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدر الحنون والقلب الكبير والنفس المواسية إلى خديجة يحدثها بما رأى وسمع وهو يقول: زملوني.. زملوني فانصاعت رضي الله عنها لطلبه وزملته وهي تقول أبشر يا ابن العم واثبت فقد أريد بك الخير العظيم وإنك والله لأهل لكل خير والله لا يخزيك أبدًا.. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق وما زالت به حتى طعم وشرب وضحك وذهب عنه روعه، ثم أنها رضي الله عنها قصدت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تحدثه بحديثه وشأنه صلى الله عليه وسلم.. وما أن فرغ حتى هتف ورقة قدوس.. قدوس.. والذي نفس ورقة بيده لقد جاءك الناموس الأعظم الذي كان يأتي موسى.. وليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمخرجي هم؟




فأجاب ورقة: نعم.. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك لأنصرنك نصرًا موزرًا.




أول الناس إسلامًا خديجة – رضي الله عنها - وأرضاها.. أسلمت خديجة وآمنت الزوجة الوفية ولم تكتف بإسلامها وإيمانها بل قدمت كل ما لديها في سبيل الله.




عام الحزن:




وفي عام واحد، العام العاشر من البعثة النبوية أصيب

رسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثين جليلين جعلاه يسمي ذلك العام (عام الحزن) فقد توفي عمه أبو طالب الذي كان درعه الواقي، والذي كفله صغيرًا ورعاه يافعًا وحماه نبيًا ورسولاً ثم لحقته خديجة بعد أن مرضت واشتد بها المرض فحزن النبي صلى الله عليه وسلم وأحاط بالفراش حولها بناتها زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة يبكين على خير الأمهات وأكثر المجاهدات ثم دنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيًا وهو يقول: ما أمرَّ الفراق يا خديجة سيكون قصرك في الجنة أعده الله من لؤلؤة مضيئة.





فتجيبه الصديقة مع أخر نسمة من نسمات الحياة.. إن شاء الله.

ويبكي النبي صلى الله عليه وسلم وتبكي بناته.. ويخلو البيت الكريم من الشعلة الإيمانية التي أضاءت جوانبه وآفاقه ثمانية وعشرين عامًا.




ولحقت خديجة – رضي الله عنها – بالرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.








via مدونة الوليد http://ift.tt/1yWZTWX

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire