jeudi 4 décembre 2014

صوت الشيطان



مقدمة



الحمد لله الواحد الأحد، الذي خلق العباد، وأخذ منهم العهد، بأن يفردوه بالقصد، وركَّب فيهم أدوات تساعدهم على العبد، فأفلح من استعملها في طاعة الودود، وخاب من استعملها في طاعة اللدود.

وأصلي واسلم على نبي الهدى وصحبه ومن عبد.




أما بعد:




فهذا بحث موجز لطيف، خالٍ من حشو الكلام، يفهمه القاصي والداني، والكبير والصغير، جمعته ورتبته وعلقت عليه من كتب أئمة أعلام، وسميته «صوت الشيطان» وموضوعه الغناء الذي أفتتن به الناس، وصار ديدان البعض، حتى أيقنوا أنه غير محظور، وذلك لما ألفوه من وجوده بينهم وحولهم، ولما رأوا الأكابر سنًا منغمسين فيه، ويباركون ويآزرون من سلك طريقه، ولما رأوا أن المصلحين أعرضوا عنه ولم ينكروا إلا إنكارًا بسيطًا، فظنوا أن الأمر لا يعدوا كونه إلا لممًا، مع أنه من العظائم.




فخشية من أن يهرم عليه الكبير، وينشأ عليه الصغير الذي يرى أنداده الذين لم يبلغوا الحلم، قد برعوا في العزف على شتى أنواع الآلات، فيسلك طريقهم، ويظهر جيل يقدسون المعصية، ويرونها مما لا بأس فيها، ويصدق عليهم قول المصطفة صلى الله عليه وسلم: «... كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما اشرب من هواه» [مسلم، 2/172].






المبحث الأول




تمهيد:




سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى تطرقوا لمعظم العلوم الموجودة في عصرنا، وبينوا وبرعوا فيها، فما وافق الشرع سهَّلوا للناس فهمه، وما خالف الشرع حذروا الناس منه، ومن ذلك الغناء، الذي افتتن به الناس، وفي هذا المبحث أتناول الموضوعات المتصلة بالغناء «معناه، أسماؤه، أنواعه، آلاته، خصائصه، بيع آلاته، بيع أشرطته».




(أ) معنى الغناء:




الغناء يطلق على رفع الصوت، وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب ([1]) ويسمى الرجل مغنيًا إذا نشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش.

وقيل: كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد مرة ([2]).




(ب) أسماء الغناء:




ذكر العلامة ابن قيم الجوزية، أن للغناء بضعة عشر اسمًا في الشرع وهي ([3]):

اللهو – اللغو – الباطل – الزور – السمود – المكاء – التصدية – رقية الزنا – قرآن الشيطان – صوت الشيطان – مَزمُور الشيطان – مُنبت النفاق – الصوت الأحمق – والصوت الفاجر.




ثم أورد لكل اسم من الأسماء الآنفة الذكر، دليلاً من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم .. وقال:




أسماؤه دلَّت على أوصافه






تَبًّا لذي الأسماء والأوصاف




وبعض من الناس في هذا الزمان، يسمونه: السَّمَرُ ([4]) والطَّرَبُ والفنُّ، وقد توجد أسماء غير ما ذكرت.




(جـ) أنواع الغناء:




الغناء جنس، يُطلق ويُراد به الآتي:




1- غناء العمل:




وهي الأناشيد والأهازيج التي تقال أثناء العمل، وذلك دفعًا للملل، وتنشيطًا للعمل، وبعثًا للهمم.

وهذه مباحة إذا خلت من وصف الجمال، وذكر الفسوق والفجور. روى الإمام البخاري في صحيحه ([5]) عن البراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره – وكان رجلاً كثير الشعر – وهو يرتجز برجز عبد الله:




اللهم لولا أنت ما اهتدينا






ولا تصدقنا ولا صلينا




فأنزلن سكينة علينا






وثِّبت الأقدام إن لاقينا




إن الأعداء قد بغوا علينا






إذا أرادوا فتنة أبينا




وفي رواية أخرى ([6]) عن سهل بن سعد t قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:




اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة






فاغفر للمهاجرين والأنصار




ويدخل تحت هذا غناء الحجيج في الطرقات، عندما يقدمون للحج، فينشدون الأشعار التي يصفون من خلالها الكعبة والمقام وزمزم ([7]).




وهذا الغناء لا يُوجب الطرب، ولا يخرج عن المألوف، وفي معنى هذا الغناء، غناء العرس، وغناء العيد ([8])، والأشعار التي تقال للتحريض على الجهاد، وقتال الكفار، وغناء المرأة لتسكين الولد في المهد ([9]).




2- أشعار الزهديات:




وهي الأشعار التي تقرِّب إلى ذكر الآخرة كقول بعضهم ([10]):




يا غاديًا في غفلة ورائحًا






إلى متى تستحسن القبائحا




وكم إلى كم لا تخاف موقفًا






يستنطق الله به الجوارحا




يا عجبًا منك وأنت مبصرٌ






كيف تجنبت الطريق الواضحا




وهذا مباح أيضًا.




3- أشعار النياحة:

وهي الأشعار التي تقال عند المصيبة «مصيبة الموت»، يثيرون بها الأحزان والبُكاء ([11])، وهذا النوع محرم، لورود النهي عنه ([12]).




4- أشعار الغناء:




وهي أشعار ينشدها المغنون والمغنيات، يصفون فيها الخد والقد([13])، والضم والرشف([14])، والتهتك والكشف، والحب والهوى، والقبلة واللقاء... الخ.

وهذا النوع محرم، وهو المساند في هذا الزمان، والله المستعان.




(د) آلات الغناء:




تنقسم آلات الغناء إلى قسمين:

«قسم محرم ([15])، وقسم مباح ([16])».




1- القسم المحرم:




«الزمر – النَّاي – السِّرنا – الطُنبور – المعْزَفة – الرَّباب – الجرافة – الجنك – الكوبة».

وهذه آلات غناء قديمة، وبعض منها ما زال يستعمل إلى الآن. أما آلات الغناء الحديثة، فهي كثيرة ومتنوعة، أذكر بعضًا منها على سبيل المثال:

العود – الطَّبل – الزِّبر – القانون – الكمنجة – البيانو – القيثارة – النَّاي – الصُّنجان – القربة... الخ.




2- القسم المباح:




«الدف».

وإباحته ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بالآتي:

أ- أن يكون في النكاح ([17]).

ب- أن يكون للنساء فقط دون الرجال ([18]).

جـ- أن يكون خاليًا من الأمور الشركية والبدعية ([19]).




(هـ) خصائص الغناء:




1- يزين المحرمات.

2- يأمر بالفسق والفجور.

3- يهيج النفس إلى فعل الشهوات.

4- يفقد الإنسان المروءة والعدالة.

5- يلهي القلب ويصده عن ذكر الله جل وعلا.

6- يطمس على القلب فلا يقر معروفًا ولا ينكر منكرًا.

7- يقوي الأحوال الشيطانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية؛ سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين، قال تعالى: }وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً {([20]) [سورة الأنفال، الآية: 35].




«موعظة»:



يا قليل الزاد والطريق بعيد، يا مقبلاً على ما يضر تاركًا ما يقيد، أتراك يخفى عليك الأمر الرشيد، إلى متى تضيع الزمن وهو يحصى برقيب وعتيد ([21]):

مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلاً






وأعقبه يوم عليك شهيد




فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة






فبادر بإحسان وأنت حميد




ولا تُبق فضل الصالحات إلى غد






فرب غد يأتي وأنت فقيد




إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت






حميمك فاعلم أنها ستعود




(و) بيع آلات الغناء:




قاريء البصير: إن المسلم الحق، الذي علم أن هناك يومًا سيعود فيه إلى الله جل وعلا وأن هناك يومًا سيحاسب فيه ليتحرى مواطن الرزق الحلال، ويتجنب مصادر الرزق الحرام: وذلك ليستقيم حاله، وتطيب نفسه، وقبل هذا وذاك ليرضي ربه.




روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين : فقال: }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ {، وقال: } عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ... {ثم ذكر الرجل يُطيل السفر، أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء:يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» ([22]).




وصاحب الفطرة السليمة، والقلب الخالي من الشك والريبة، لا يداخله أدنى شك، في أن بيع آلات الغناء حرام، ورزقها حرام، وهناك نصوص كثيرة من كلام رب العباد، ومن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، تدل على هذا من ذلك:




1- قال تعالى: }... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ... { [سورة المائدة، الآية: 2].




أقف وأسأل سؤالاً: هل بيع هذه الآلات من قبيل التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله جل وعلا به؟!

إن الإجابة قطعًا ستكون بالنفي، وذلك لأن هذه الآلات هي أبواق الشيطان، التي عن طريقها يحضر ويتصدر مجالس القوم، فيضلهم ويحبب إليهم المعصية «الغناء»، ويجرهم إلى معاص أخرى كشرب الدخان، والنظر إلى ما حرم الله.




وإن أول شاهد على هذا، هو حال بعض من الناس الذين يقيمون الأفراح والمناسبات، ويحضرون المغنيين والمغنيات، الذين يطربون الناس إلى ساعة متأخرة من الليل، ثم يقومون من ذلك المجلس، وهم كُسالى مخدرين فينامون عن صلاة الفجر، ولا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، يقومون بعد الظهيرة، فيصلون الفروض الثلاثة في وقت صلاة العصر، والله أعلم بحال تلك الصلوات التي خرج وقتها!




أخي: إن بيع هذه الآلات فيه معونة على الإثم والصدِّ عن ذكر الله، وفيها تقوية للباطل وأهله، وإن الشيء الذي يقود إلى هذه الأمور، أو يخلفها، فثمنه حرام، وهذا المال «سحت» لا ينبغي أكله و «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» ([23]).




2- قال تعالى: }... وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ... { [سورة البقرة، الآية: 188]. هذه الآية الكريمة وإن وردت في سبب خاص، فإن معناها عام، فلا يحل لأي كائن كان، أن يأكل مال أخيه المسلم بغير حق، فيدخل تحت هذا بيع آلات اللهو، لأنه أكل مال بالباطل، حتى ولو طابت به نفس مالكه.




3- قال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف...» ([24]) هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد وقع ما ذكر، فبيعت المعازف واستمع إليها.




وجه الدلالة من الحديث؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يستحلون» فدل هذا على أن المعازف محرمة، وما كان حرامًا فثمنه حرام، وأيضًا لما قرن استحلالها باستحلال الزنا والخمر، اللذان هما من أكبر الكبائر!



([1] )فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/442.



([2] )جامع الأصول في أحاديث الرسول 8/455.



([3] )انظر كتاب «إغاثة اللهفان» 1/237.



([4] )السَّمرُ والمسامرة «الحديث بالليل». اهـ. مختار الصحاح 312.



([5] )فتح الباري بشرح صحيح البخاري «3034» وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/171.



([6] )المصدران السابقان «4098»، 12/172.



([7] )انظر: المنتقى النفيس... ص290، وفتح الباري 10/538.



([8] )وقد أفردت له مبحثًا بعنوان: الغناء المرخص فيه.



([9] )فتح الباري 10/538.



([10] )المنتقى النفيس... ص293.



([11] )المنتقى النفيس ص294.



([12] )روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه» الفتح «1292»، انظر: شرح النووي 6/229 صحيح الترمذي (800) صحيح ابن ماجه (1294) صحيح النسائي (1749)، وعند عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» الفتح «1294» وانظر شرح النووي 2/109، صحيح الترمذي (797)، صحيح ابن ماجه (1288)، صحيح النسائي (1754).



([13] )القدُّ/ القامة والتقطيع. اهـ مختار الصحاح ص523.



([14] )الرَّشف: المصُّ. اهـ مختار الصحاح ص244.



([15] )وهو غالب ما يستعمل الآن!



([16] )وإباحته في حدود، ولا ينبغي تجاوزها.



([17] )لقوله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين الحرام والحرام الدُّف والصوت في النكاح» حديث حسن رواه الأئمة صحيح الترمذي (869)، صحيح ابن ماجه (1538)، صحيح النسائي (3154).



([18] )وهذا الذي صرحت به الأحاديث، ولم يذكر أن الرجال كانوا يفعلونه.



([19] )وذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أنكر على بعض الجواري قولهن: «وفينا نبي يعلم ما في غد»، فقال لها: «دعي هذه: وقولي بالذي كنت تقولين» الفتح (5147)، د. (4114)، ت: (870) وفي رواية: «لا يعلم ما في غد إلا الله» صحيح ابن ماجه (1539) قلت: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر هذا الكلام في ذلك القرن الأول، المشهود له بالخيرية، فما بال الكلام الذي يُقال في الأفراح وفي أجهزة الإعلام وتلوكه الألسنة صباحًا ومساءً، ويجاهر به بأعلى الأصوات، وتصاحبه الآلات المحرمة!!



([20] )مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/295.



([21] )الكبائر للإمام الذهبي ص180.



([22] )صحيح مسلم بشرح النووي 7/100، ورواه الإمام الترمذي (2390).



([23] )حديث صحيح، رواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم والدارمي، صحيح الجامع «4519».



([24] )فتح الباري (5590)، وانظر: سنن أبي داود «3407».








via مدونة الوليد http://ift.tt/1ypzotY

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire