mercredi 3 décembre 2014

خاص للمقبلين على الزواج



بسم الله الرحمن الرحيم






المقدمـة



الحمد لله القائل: }وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً { [الروم: 21].




والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي » رواه الطحاوي.




وبعـد:



فقد اجتمع لديَّ عدد من تجارب المتزوِّجين حديثًا وما مرُّوا به من نجاحٍ وإخفاق، فدوَّنت ذلك بعد صياغته إشادةً بالنجاح ليُحتذَى، وتحذيرًا من الإخفاق ليُتَّقَى. وما كان في هذا العمل من صوابٍ فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأٍ فمن نفسي والشيطان.




والله المسؤول أن يمنَّ علينا بالهدى والرشاد والتوفيق والسداد. وصلى الله وسلم على عبده ونبيِّه محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.






لماذا التأكيد للمقبلين على الزواج؟



إنَّ وراء توجيه الخطاب إلى المقبلين على الزواج أمور من أهمها:




1- أنَّ الفترة الأولى من الزواج هي الأهمِّ والأخطر في حياة الزوجين، وهي الأرض التي تُوضع فيها بذور الحب بينهما، وأيُّ ثمرٍ يخرج من بذر في أرض لم تُحرث ولم تُهيَّأ؟ وقواعد بناء البيت المسلم ينبغي أن تكون راسيةً راسخةً متينة.




2- ما قد يحصل في بعض العلاقات الزوجية في بدايتها من اضطرابٍ سببه عدم التهيئة للحياة الجديدة.




3- غفلة كثيرٍ من الأزواج والزوجات والآباء والأمهات عن الإعداد للزواج من ناحية العلاقات الاجتماعية وكيفية تعامل كل طرف مع صاحبه، فإن كان ثَمَّة إعداد فمن الناحية الجنسية والمالية فحسب، وهذا وحده لا يكفي.




4- الصورة المغلوطة عن الزواج، وأنه ذهاب وإياب وسفر وأحاديث وعلاقات جنسية فقط، ونسوا أنَّ الزواج مسئولية وأمانة مع حبٍّ وسعادة.




من أجل هذا كلِّه كان هذا الحديث وهذه الوصايا ما هي إلاَّ لبنة في بناء الحياة الزوجية، وما يؤكَّد على الزوجين قبل وبعد الزواج هو أن يأخذا من العلم ما يكفيهما لفهم بعضهما البعض وكيفية حلِّ المشاكل وأسباب الحياة الزوجية السعيدة، ففي كتاب الله وسُنة رسوله r خيرٌ كثيرٌ، وكذلك يوجد في المكتبات كتُب نافعة وأشرطة جيدة تفيد كثيرًا في هذا الموضوع.




ومن هنا أدعو الآباء والأمَّهات اللذين يعتنون كثيرًا بتجهيز ابنتهم بالملابس والذهب على أهمية ذلك؛ إذ أنَّ الأهم هو من ستلبس هذه الملابس، كيف تتعامل مع زوجها؟ وكيف تستوعب الخلافات الزوجية؟ وكيف تتعامل مع أهل الزوج؟ ومثل هذه الدعوة أوجِّهها لمن يبذل جهدًا مع الزوج في زيادة الثقافة الجنسية أن يُركِّز أكثر على الجوانب الاجتماعية ولا يترك الأمر لاجتهاد المجتهدين من الأزواج.



وقفـة



* قال النبي r: «يا معشر الشباب، فمن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» متفق عليه.




* وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة حق على الله عونهم...»، وذكر منهم: «الناكح يريد العفاف » رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة.




* وقال عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك » متفق عليه.




* وقال عليه الصلاة والسلام: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة » رواه مسلم.






وصايا للمُقبلين على الزواج



أولاً- الزواج عبادة:




فيحتسب الإنسان فيه ابتداء الأجر من الله عزَّ وجلَّ أن يعفَّ نفسه ويعف تلك المرأة، وأن يُنشئ أسرةً إسلاميةً تتربَّى تحت يديه تعبد الله تعالى وتخدم دينه.




ثانيًا- ما بين العقد والدخول:




من المؤكد - غالبًا- أنه لا يوجد علاقة بين الاثنين قبل كتابة العقد، أمَّا وقد كتب العقد بينهما فهما زوجان في شرع الله، فإن أراد أن ينظر إليها ويجالسها ويحادثها قبل الدخول بها فله ذلك.




وينبغي لأهل الزوجة إتاحة الفرصة للزوج بعد كتابة العقد أن يقابل زوجته للتشاور معها في أمورهما الخاصة؛ لأنَّ في لقائهما ببعض في هذه الفترة تقريب القلوب أكثر وكسر حواجز الخوف من الحياة الجديدة، مع الحرص على أن تكون الفترة بين العقد والدخول قصيرة جدًّا.




ويُفضِّل عدم حرق الأوراق كلِّها، وألاَّ يطلق العنان للسانه في المديح والثناء والإعجاب المبالغ فيه، والذي قد يناسب أكثر بعد الدخول.




وألاَّ يكثر من إحضار الهدايا، ليُبقِي شيئًا من ذلك لليلة الزفاف ولما بعدها حتى لا تفقد تلك الأيام متعتها.




ومما يُنبَّه عليه في هذه الفترة اتخاذ بعض الأزواج أسلوب «قائمة المحبوبات والمكروهات»، فيذكر لها ما يحبُّ وما يكره، وهذا غير مناسب -بهذا الأسلوب - في هذه الفترة؛ لأنَّ جميع ما يحبه الزوج والزوجة وما يكرهانه يأتي بالتدرُّج بينهما، وأما أن تبدأ الحياة بهذا الأسلوب فغير لائق في فترة ينبغي أن تسود فيها العاطفة، فالأيام كافية لمعرفة كلِّ واحد منهما صاحبه، وحينها يحصل الانسجام بشكلٍ تلقائيٍّ بينهما بإذن الله تعالى.




ثالثًا- ليلة الزواج الأولى:




1- الحرص على أذكار الصباح والمساء؛ فإنها مما يُحفظ به العبد، ويحسن أن يذكر كلّ واحد منهما صاحبه بها.




2- الحرص على أخذ قدرٍ كافٍ من الراحة نهار يوم الزواج.




3- على الزوج أن يكون في هذه الليلة هو المبادر في الكلام والمباسطة؛ لأنَّ حياء الزوجة لا شكَّ سيمنعها من الكلام ابتداءً، وليحرص على اقتناء العبارات الخفيفة اللطيفة المناسبة لمثل هذا المقام.. ويبدأ الكلام بالحديث عن أحداث الزواج، وماذا حلَّ فيه، ومن رأى من أهلها، وماذا رأى من إكرامٍ وتقديرٍ ودعاءٍ بأن يجمع الله بينهما على الخير، وكذلك الكلام عن الترتيب النهائي للسفر إن كان هناك سفر.




4- على الزوج أن يحرص ألاَّ يكون هناك اتصال جنسي في هذه الليلة إذا رأى انصرافًا من الزوجة وعدم تفاعل منها، حتى يشعرها بالأمان، فلربما أثَّر عليها سلبًا في المستقبل إمَّا بكراهية الاتصال أو ببُغض الزوج ونحو ذلك.




وليس صحيحًا أنَّ الاتصال من أوَّل ليلة من علامات الفحولة والرجولة، وأنه لا بدَّ أن يحصل من أول ليلة، أبدًا ليس ذلك صحيحًا، بل الاتصال ينبغي أن يتمَّ حسب تهيئة الظروف المناسبة لذلك، ونذكر بأنَّ نسبة التفاعل الجنسي تختلف بين الزوجين، خاصة أول الزواج.




يقول أحد المتزوجين: إنَّ زوجته قالت له بعد سنوات إنَّ هناك موقِفًا لن تنساه له في حياتها، وهو أنه في الليلة الأولى من الزواج لَمَّا كانت هي مرهقة وخائفة من رهبة الموقف، تقول: إنها ذهبت لغرفتها لتستريح، فغلبها النوم من آثار التعب والإرهاق، تقول: لما رأيتني نائمة غطيتني ولم تُحاول إزعاجي أو إيقاظي، فشعرت حينها بأمانٍ وراحةٍ نفسية عالية، وعرفت أنك إنسان متفهِّم.




فمثل هذه المواقف ترسخ في ذاكرة المرأة وتقوى الحياة الزوجية وتثبت دعائمها.




5- قد تبكي المرأة في ليلة الزواج الأولى، وهذا طبيعيٌّ إلى حدٍّ ما؛ وذلك لخوفها من الموقف وفراقها أهلها وقدومها على حياة جديدة مجهولة بالنسبة لها، فينبغي على الزوج مراعاة ذلك وعدم استنكاره أو تفسيره بتفسيرات أخرى، بل عليه أن يتجاهل الأمر وكأنه لم يرَ شيئاً.




6- قد يُصاب الرجل بضعفٍ جنسيٍّ طارئ في الليلة الأولى، وهذا طبيعيٌّ جدًّا؛ لأنه أمرٌ جديدٌ في حياته فلا يقلق، فالمشكلة نفسية عارضة، لا عضوية في الغالب.




7- يُستحب توفير بعض الأطعمة الخفيفة المحبوبة للنساء مما يكفيها ويرضيها؛ لأنَّ غالب الزوجات في هذه الفترة لا تقبل على الأكل، إمَّا عدم رغبة لِما تمرُّ به من ظروف نفسية أو خجل من الأكل – بكفاية - مع الزوج، مما يضطرها أن تأكل في غيبة زوجها، مع مراعاة عدم الالتفات إلى ما تأكله ومحاولة التجاهل.




8- رائعٌ جدًّا أن يُعطي فرصة لزوجته لتخلو بنفسها برهةً من الزمن لقضاء حاجاتها الخاصة، وذلك بأن يستأذنها بأنه سيذهب إلى السيارة مثلاً أو سيذهب إلى دورة المياه ونحو ذلك.




9- إنَّ اكتساب المرأة للثقافة الجنسية نابع من حبِّها لإسعاد زوجها، ودليل على وعيها - لا غير - فليعلم ذلك جيدًا.




وقفـة



* قال النبي r: «إذا تزوَّج أحدكم امرأة، أو اشترى خادمًا، فليأخذ بناصيتها، وليسمِّ الله عزَّ وجل، وليدعُ بالبركة، وليقل: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشر ما جبلتها عليه » رواه أبو داود وغيره وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.




- الناصية: منبت الشعر في مقدم الرأس.

- جبلتها: خلقتها وطبعتها عليه.




* قال النبي r فيمن يقول حين يأتي أهله «بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا»: «فإن قضى الله بينهما ولدا لم يضره الشيطان أبدًا» رواه البخاري.




رابعًا- السفر الأول بعد الزواج




سبق لنا الإشارة إلى العلاقة بين الزوجين بعد العقد وقبل الدخول، وأنه يتيسَّر لهما التشاور حول السفر، إلى أين، ومتى، وكم تكون المدة؟ ولا شكَّ أن بُعد الزوجين عن أهلهما يتيح لهما قدرا من التعرُّف أكثر والتآلف بينهما.




وإن كان من تنبيهات، فأقول:




1- إن كان السفر لأخذ عمرة فرأيها مهم للغاية؛ لما قد يصيب النساء من عوارض، ويراعَى عند أخذ رأيها عدم التصريح بشيء من تلك العوارض.




2- تعلُّم أحكام السفر فيما يتعلَّق بالطهارة والصلاة ونحوها.




3- ألاَّ يكون السفر إلى بلاد الكفار ولا إلى بلدٍ من بلدان المسلمين يكثر فيه التبرج والسفور، وإن افتتحا حياتهما بسفرهما إلى الحرمين الشريفين وسؤال الله التوفيق في هذا الزواج فهو خيرٌ لهما من المباهاة بالسفر هنا وهناك مع ما قد يصحب ذلك من منكرات ومحرمات.




4- أن يراقبا الله في السفر كما يراقبانه في الحضر.




5- أيها الزوج، إذا سافرت بهذه الزوجة لأوَّل مرة فتذكَّر أنك أخذتها من بين أهلها، وهذه سنة الحياة، وينبغي عليك مراعاة مشاعرها وتلمُّس حاجتها وإتاحة الفرصة لها بأن تتصل بأهلها، فربما احتاجت لأخذ رأي أمها أو أختها فيما يعرض لها من باب المشورة لا الشكوى.




6- أيها الزوج، لا تشقّ على زوجتك بإطالة السفر.




7- التزما سُنة النبي r في السفر وخاصة الدعاء، فالسفر من الأحوال التي يُستجاب فيه الدعاء، فيدعو كلٌّ منكما ربَّه بأن يوفِّقه في زواجه ويجعله خير زوج لصاحبه وأن يعينه على القيام بحقوق صاحبه وأن يكفيهما شرَّ الشيطان وكيده، وأن يرزقهما الذرية الصالحة.




8- رصد مبلغ للهدايا - خاصة لأهلها - في السفر الأول من أجمل ما يصنعه الزوج؛ لأنَّ الناس في الغالب يُقيِّمون الزوج على عمله في الأيام الأولى من الزواج، فالصورة التي يرسمها الزوج عنه هي التي تنطبع في الأذهان.




وهذه الهدايا - أيضًا- فيها إشعارٌ لأهل الزوجة بأنك قد أحببت ابنتهم، وأنَّ بوادر الزواج جميلة؛ لأنَّ شأن توفيق البنت في الزواج مما يشغل الأهل كثيرًا، خاصة هذا الزمن.




خامسًا- أيام الزواج الأولى وما بعدها:




وتتلخَّص في أمور:




أولاً- لا يزال كثير من الناس يُسمُّون هذه الفترة «شهر العسل»، والأَولى ترك هذه التسمية لِما فيها من مشابهةٍ للكفار، ولِما فيها من حصر السعادة الزوجية بفترة محدودة، والأفضل أن تكون الحياة كلَّها عسلاً، ولتكون كذلك فخذ بهذه الوصية:




- تكون الحياة كلها عسلاً عندما نصبّ الاهتمام بمصدر ذلك العسل وهي النحلة، فبعض الناس يطلب من زوجته أن تخدمه وأن تكرمه وتكرم أهله وتعتني بالبيت وبضيوفه، وهذا لا شكَّ أنه مطلوب وسيكون بإذن الله، لكنَّ المشكلة أنَّ كثيرًا من الأزواج يغفل عن تلك الزوجة المسكينة وعن حاجتها وعن أهلها، فلا يقوم بأيِّ دورٍ إيجابيٍّ من شأنه أن يكون سببًا في بقاء العسل المصفَّى، فلا بدَّ من شُكر الزوجة عندما تقوم بعملٍ فيه مصلحةٌ لك مباشرة أو غير مباشرة، وأن تُجَدِّد العهد معها كلَّ فترة بكلمةٍ طيبةٍ أو بهديةٍ تُفرحها وتُدخِل السرور عليها .. وعند ذلك تكون حياتكما كلَّها عسلاً مُصفَّى بإذن الله.




ثانيًا- اجعل في يدها شيئًا من المال؛ لأنها قد تحتاج وتخجل أن تطلب خاصة في أيام حياتكما الأولى، ولأنها أيضًا قد تحتاج إلى شراء بعض الأمور الخاصة جدًّا؛ فقد تقترض من أهلها ليشتروا لها إن لم يكن بيدها مال، فمبادرتك دليل وعيك واهتمامك بها مما يُدَّخر لك في قلبها.




ثالثًا- موضوع الإنجاب مما يختلف الناس فيه تأخيرًا وتقديمًا، فمنهم من يرى أنَّ وجود المولود مما يُديم العلاقة ويزيدها قوَّةً بين الزوجين، فمهما حصل بينهما من سوء التفاهم فلن يفكرا في موضوع الانفصال.




ومنهم من يرى أنَّ التأخير أفضل ليحصل قدر لا بأس به من التوافق بين الزوجين، وحينها يأتي المولود والجو العائلي قد صار مهيَّأً؛ فينشأ الولد وقد انصبَّ اهتمام الزوجين به تربية وتنشئةً.




وليس معنى هذا أن ينظر الزوج إلى الحياة الزوجية - في أيامها الأولى - على أنها مُهدَّدة بالانهيار، ويكون تعامله مع زوجته على أنَّ حياتهما لن تدوم طويلاً، فهذا الشعور من أخطر ما يكون على الزوجين، وما ذكرناه لا يعدو أن يكون أمرًا وقائيًّا لا أكثر.




رابعًا- يلاحَظ أنَّ نسبة الطلاق تقلُّ كلَّما طالت المدة بين الزوجين وتزيد كلَّما قصرت، وذلك لأنَّ العلاقة العاطفية بين الزوجين – وأعني بها الحب - بدأت من حيث قبول كلِّ واحدٍ منهما للآخر، وما زال هذا الحبُّ يزداد وينمو أكثر وأكثر بعد الدخول بالزوجة، ومن ثمَّ السفر، وكذلك الحال في الأشهر الأولى تكثر كلمات الحب والاحترام والتقدير، إثباتًا من أحدهما للآخر بأنه يُحِبُّ صاحبه ولا يبغي به بدلاً مهما كانت الظروف والأحوال، وبعد أن تستقرَّ الحياة ويأخذ كلُّ واحدٍ من الزوجين موقعه الصحيح في الأسرة، فالزوجة ربة بيت مسئولة عن البيت داخليًّا والزوج في المقابل مسئول عن البيت خارجيًّا من نفقةٍ ورعايةٍ وإشرافٍ، وحينها قد يطرأ عليهما بعض التغيُّر والفتور في العواطف والتعامل بعد تحمُّل المسئولية وبدء الحياة الجادة والعملية .. ونتيجةً لذلك قد يحصل بينهما بعض الاختلاف في وجهات النظر وبعض المشادات الكلامية ونحو ذلك، فيحدِّث كلٌّ منهما نفسه بأنَّ صاحبه كان يكذب عليه عندما كان يصرِّح بحبِّه ومودَّته، وأنه أغلى شيءٍ عنده، وحينها يشعر كلُّ واحدٍ بخيبة أملٍ وتحطُّم كلّ الأحلام التي كان يرسمها في ذهنه عن الزواج، وقد يتسرَّعان أو يتسرَّع أحدهما بطلب الانفصال ويقع الفراق بينهما.




وأحب أن أطمئن الزوجين بأن ما مرَّ بهما يمرُّ في غالب البيوت ويحصل لكثيرٍ من المتزوجين حديثًا، وتفسيره الحقيقي هو أنَّ الزوجين مازالا بحاجةٍ إلى مدَّةٍ أطول للتأقلُم مع الحياة الجديدة؛ فإن صبرا وتفاهما وتناصحا عاشا بإذن الله في أسعد حياة بينهما.

فأقول إذن:





إنَّ المسألة وقتٌ لا أكثر، وبالتفاهم يبدأن بناء صرحٍ شامخٍ من الحبِّ والألفة التي لا يقدر على صدعها أحدٌ بإذن الله تعالى.




وممَّا يؤكَّد عليه في هذه المرحلة من الحياة الزوجية خطأ كثير من الأزواج أو مَن حولهم من أحبابهم - ممَّن لا يُحسنون تفسير الظواهر الاجتماعية - في نسبة ما يقع إلى السِّحر أو العين، فهذا تعليل كلِّ من لا يحسن التعليل.




وللخروج من هذه الأزمة بسلام وأمان بإذن الله لا بدَّ من:




1- كثرة الاستغفار، فالله تعالى يقول: } وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ { [الشورى: 30].





فالمشاكل هي من عموم المصائب التي تجرها ذنوبنا، فالاستغفار هو المخرج منها.




2- الالتجاء إلى الله بالدعاء بأن يصلح حالهما.




3- المصارحة بين الزوجين، مشافهةً أو مكاتبةً على حسب طبيعة كلٍّ منهما.




4- عدم فتح قائمة الحقوق، بمعنى ألا يكون من شأن المصارحة أن يسرد كلٌّ من الزوجين ما له من حقوقٍ وما على صاحبه من واجبات؛ فمثل هذا الأسلوب في ظلِّ الأجواء المشحونة قد يزيد الخرق على راقعه.




5- الحرص على عدم إدخال أحدٍ بينهما - خاصة من أقاربهما - وليتعاهد الزوجان على ذلك إلاَّ إن بدأت الأمور تسوء بشكلٍ ملحوظ، فلا بدَّ أن يُعرضا الأمر على أحدٍ موثوقٍ في أمانته ونُصحه وصاحب خبرة وتجربةٍ وذي حكمة في إصلاح ذات البين.

خامسًا- ليكن بين الزوجين «ميثاق زوجي»، وهو أنه كلّ ما هدم أحدهما شيئا - من الصرح الزوجي - بنى الآخر.




بمعنى أن يتَّفق الزوجان أنه عند وقوع المشاكل بينهما فيما لو كان الخطأ من أحدهما - وهو خطأ بلا شك - فليكن الطرف الآخر هو من يعتذر لفعل الطرف المخطئ، ويلتمس له المخرج في أنه كان مريضًا أو مشغولاً أو عنده ظرفٌ نفسيٌّ غلبه ممَّا كان سببًا في خطئه، لا أن ننتظر المخطئ يعتذر في لحظة الخطأ، فهذا مما يندر وجوده من البشر، ونحن بهذا الاعتذار عن أفعاله نُحقِّق مكاسب عديدة منها:




1- الإبقاء على صرح الزوجية.




2- لو حصل صدع فإنَّ الطرف الآخر بمقتضى هذا الميثاق يصلحه.




3- تسجيل موقف لا يُنسى للطرف المعتذر عند المخطئ.




فإن حصل ضد ذلك، وهو المؤاخذة على الخطأ وطلب الإقرار به والاعتذار عنه من المخطئ في لحظة الخطأ، وهذا ما لا يحصل غالبًا، ينتج عنه – غالبًا - المعاقبة بالمثل للانتقام للنفس بخطأ يُقابل الخطأ الأول.




وعلى فرض وقوع الخطأ من الطرف الأول + عدم التماس العذر له = صدع في بناء الزوجية.




يقابله وقوع الخطأ من الطرف الثاني + عدم التماس العذر له = زيادة في تصدع بناء الزوجية.




وهكذا إلى أن ينهدم البناء بفعل من بَناه!




والمخرج كما ذكرنا سابقا أن ينظر الطرف الثاني - الذي من المفترض أن يعتذر - إلى مصلحته، ومصلحته لا شك تكمن في أن يبقى الصرح شامخًا ويكون ذلك بما ذكرنا من التماس العذر للمخطئ.




سادسًا- لكلٍّ من الزوجين تركيبةٌ خاصَّةٌ تختلف عن تركيبة صاحبه من الناحية العقلية والنفسية، ومطالبة أحد الزوجين في أن يفهم صاحبه فهمًا تامًا في فترةٍ وجيزة طلب غير صحيح؛ إذ الإنسان بتركيبته الكاملة معقَّد يصعب فهمه، والإنسان أحيانًا لا يستطيع أن يُبَرِّر أفعال نفسه أو يفهم مشاعره، فكيف نطالبه بأن يفهم الآخرين فهمًا تامًا لا نقص فيه؟

ونقول كما أشرنا سابقًا:





الزمن كفيلٌ بفهم كلِّ طرفٍ لصاحبه.




فيا أيها المطالِب، أنت مطالَب.




سابعًا- «أنت أنت، وهي هي».




بعض الأزواج يريد أن تحبَّ زوجته كلَّ طعام وشراب يحبه، وأن تتكلم بنفس الطريقة التي يتكلم بها، وأن تحب جميع الروائح التي يحبها ... وهكذا، وهذا من أغرب المطالب وأسذجها.




ثامنًا- استحباب وحُسن التواصل مع الزوجة بالطريقة التي تُحِبُّها، كرسائل الجوال أو الرسائل المكتوبة، أو أن تسجل كلماتك لها في سجل ذكرياتها، أو أن تُسمعها كلامًا حسنًا.




تاسعًا- التعبير عن الحبِّ للزوجة باستمرارٍ وبأشكالٍ متنوعة، فالحبُّ لا يُقبل ادَّعاؤه ما لم يكن عليه دليلٌ ظاهر، فيتكلَّم دائما معها عن توفيق الله له بأن وقع اختياره عليها، وبأنها الفتاة التي كان يبحث عنها -شكلاً وجوهرًا- منذ زمنٍ طويل.




عاشرًا- لأنَّ المرأة عاطفية وتغلب عاطفتها عقلها في كثيرٍ من الأحيان فمتى يقودها زوجها لا بدَّ أن يمنحها الحب، فالمرأة لا تستجيب بجوارحها وقلبها للأوامر إلاَّ إذا منحتها الحب.




الحادي عشر- على الزوج أن يفعل ما تحب هي ليحصل هو على ما يحب.




الثاني عشر- على الزوج أن يعامل زوجته بنفس الأسلوب الذي يحب أن تُعامَل به أخته من قِبَلِ زوجها.




الثالث عشر- إذا أراد الزوج أن يرفض طلبًا لزوجته فليكن بغير استخدام للفظ «لا»، وليكن الرفض في وقته مع محاولة منه لإيجاد البديل قريبًا أو لاحقًا.




الرابع عشر- على الزوج ألاَّ يحزن كثيرًا من كفران زوجته لمعروفٍ سابقٍ له عليها، ولا بتعميمها في هذا النكران، كأن تقول: "ما سافرت بنا"، "ما سبق أن ذهبت بنا للسوق"، "ما سمعت منك كلمةً طيبة"، ... وهكذا؛ فهذا جزءٌ من طبيعتها، فلا يأخذه على محمل الجدِّ، فإنها لا تقصد. ولا يجهد نفسه بتفنيده وإثبات عدم صحة كلامها.




الخامس عشر- قد يصيب الحياة الزوجية أحيانا شيءٌ من الفتور للروتين القاتل الذي يعيشه بعض الناس؛ فلا بدَّ من إحداث شيءٍ مختلف كلّ فترة، وذلك بحر لا ساحل له، وهو مجال رحب لإبداع الزوجين.




ولنتذكَّر دائمًا أنَّ الحياة الزوجية لا بدَّ فيها من ملوحةٍ وحلاوة، كما هو الطعام تمامًا وبنفس المقدار.




السادس عشر- كثيرٌ من النساء تجمع شحنات عاطفية ويكون لهذه الشحنات لحظة تخرج فيها، وهذه الدورة تختلف من امرأةٍ لأخرى، وربما كانت المدة شهرًا أو تزيد قليلاً، والتفريغ يكون بالبكاء أو إحداث مشكلة بدون سببٍ يستحقُّ ذلك، والمراد هو إخراج تلك الشحنات .. والذي ينبغي على الزوج في مثل هذه الحالة ألاَّ يُهمل مشاعرها ويُقلِّل من شأنها؛ حيث ينبغي التفاعل مع هذه المشاعر – التي قد تحمل اتهامات للزوج بالتقصير في حقها وعدم الاهتمام بها وبأهلها وغير ذلك - وذلك بالوعد بأن يحسِّن من الحال، وأن يعدها خيرًا بإذن الله، ويحبذ كون الوعود مُجملة، ويحسن كذلك إحداث تغيير مباشر مناسب وكأنه تعبيرٌ منه بتفاعله معها وإيذان بتغيير الحال، وذلك بالخروج في نزهةٍ قريبةٍ أو شراء هديةٍ ولو كانت قليلة.




ومن تفاعله معها أيضًا أن يُحسِن الإنصات لِما تقول، فبقدر إتقانه لفنِّ الإنصات معها تخرج الشحنات السلبية، فإن لم يُحسن ذلك بقيت هذه الشحنات كامنة في نفس الزوجة، وربما تضطرُّ أن تخرجها لأمِّها أو أختها أو أبيها؛ مما يكون سببًا في إيجاد مشكلة من لا شيء .. فالحل بإذن الله بيدك، وجميلٌ جدا أن تبدأ أنت وتسألها عن مشاكلها وما يحزنها، وذلك حين تشعر بقرب فترة التفريغ.




السابع عشر- الحياة الزوجية لا بدَّ فيها من خلافٍ، فالواجب علينا أن نتعلَّم كيف نختلف وكيف نستفيد من الخلاف، لا كيف نقطعه، فما زلنا بشرًا.




الثامن عشر- الزوجة هي النائب الأول - في المستقبل- على الأولاد، فعلى الزوج ألاَّ يقتل روح القيادة فيها ثم يطالبها في المستقبل بأن تقود وتربي أولاده في هذا الزمن الصعب.




ومن صور قتل رُوح القيادة في المرأة:




1- عدم أخذ رأيها في الأمور الخاصة.

2- تهميش رأيها في شئون البيت.

3- السخرية منها والاستهزاء بها.

4- عدم الاحتفاء بها والثناء عليها.




سادسًا- أهله وأهلها




يتلخَّص هذا في أمور:




1- على الزوج أن يحذر من مساس أهل زوجته بسوءٍ أبدًا، بل يمتدحهم أمامها ما أمكنه ذلك، وبذلك يقطع ظنونها وتصرفاتها التي تنبع من خشيتها من جفاء العلاقة، وفي المقابل يُقبل نقدها البنَّاء لأهله.




2- على الزوج ألاَّ يمنع زوجته من زيارة أهلها، ولو أكثرت من ذلك خاصة في البداية فلا بأس، والإذن لها في ذلك على حسب العرف والعادة والظروف.




3- على الزوج أن يؤكد على زوجته وأن يأخذ العهد عليها بألاَّ ترفع مشاكلها إلى أهلها بتاتًا، وألاَّ تنقل أية أخبار سيئة أو أخبار مشاكل قد تحصل لها مع زوجها أو في بيت زوجها، وينبغي عليها أن تحرص على نقل الحسن من الأخبار والطيب من الكلام.




4- مكان الزوجة بيتها حال الرضا والخصومة، ولا ينبغي أن يخرجها زوجها، ولا أن تخرج إلى بيت أهلها عند أدنى خصومة.؛ فقد يظن البعض أنَّ إرسال الزوجة إلى بيت أهلها أوقع في عقوبتها وأنفع في زجرها. ونقول له: إن هذا التصور خاطئ جدا. فإن في ذهابها إلى بيت أهلها في هذه الحالة من المفاسد وإيغار الصدور وتوسيع رقعة المشكلة وإفساد المرأة على زوجها من قبل أهلها أضعاف الفائدة المرجوَّة .. فلا يهجرها إلاَّ في بيتها لحديث عند أبي داود وغيره، قال النبي r: «ولا تُهجر إلا في البيت».




5- على الزوج ألا يسمح لزوجته بزيارة أهلها إلا وهي في حالة الرضا التام، وكذلك الحال بالنسبة لزيارة أهله، فلا تزورهم إلا وهي في تمام الارتياح والانبساط؛ لأنَّ ذلك مما ينطبع في الأذهان، وكذلك في المقابل لو كانت تذهب إلى أهله على الدوام وهي غير مهيَّأة نفسيًّا فإن المشاعر السلبية سوف تأتيها كلَّما دخلت بيت أهله، وهذا بالطبع ما لا يريده الزوج العاقل.




6- الأم التي كانت تربي ابنها وتهتم به سنين طويلة، تفرح لفرحه وتحزن لحزنه وتمرض لمرضه .. كم عانت منه وكم أشقاها وكم رفض أوامرها وأخَّر طلباتها وكم وكم...!




وفجأة تغمرها السعادة، ويعلو محياها البِشر ليلة زفافه؛ فهي تفرح لفرحه، ولكن ليتذكر أنَّ هذه الزوجة أخذت من الأم فلذة كبدها، أخذت قلبها النابض وهذه سنة الحياة.




والأم مع هذه المشاعر المضطربة قد تشاهد في الأيام القادمة من ابنها إكرامًا لزوجته لم يكن يمنحها نصفه، واستجابة يقابلها الرفض، فقد تأمره أمه بأمر فيقدِّم الزوجة على الأم، وقد تسمعه أمُّه يمنح زوجته أوسمةً رفيعةً ويصفها بأوصاف لم تسمع أمه معشارها منه طول حياتها، قبل وبعد زواجه.




فهذا أمرٌ لا بدَّ من الانتباه له، والعقل كلّ العقل في الموازنة بين حقوق الأم وحقوق الزوجة، ولا يلزم أنَّ كلَّ ما يعمله الزوج لزوجته يُقال وتعلم عنه الأم، وفي المقابل ينبغي ألا يُبيِّن للزوجة شيئا من هذا حتى لا تدخل هي الثانية في صراعات موهومة فتنشأ الخلافات ويدب الشقاق وربما انحاز الزوج مع أمه أو العكس وهو كثير للأسف الشديد.




أما لو أعطى الزوج الحصيف المنصف كل ذي حق حقه لأرضى الله جل وعلا ورضيت عنه أمه ورضيت عنه زوجته وعاش في حياة تغمرها السعادة والتوفيق بإذن الله تعالى.



وقفـة



* قال النبي r: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي آخر » رواه مسلم.




يفرك: يبغض.




* قالت عائشة رضي الله عنها: «كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، يعنى خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» رواه البخاري.




ورواه الترمذي بلفظ: «كان بشراً من البشر، يُفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه».




* قال النبيُّ r: «واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنَّ المرأة خُلقت من ضلعٍ، وإن اعوجَّ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل اعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» رواه البخاري ومسلم.




* وقال عليه الصلاة والسلام: «إيَّاكم والدخول على النساء ».

فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت » رواه البخاري.




الحمو: المراد أقارب الزوج غير المحارم، كالأخ والعم والخال وأبنائهم.




أخيرًا.



ونؤكِّد على الزوج أن يتذكَّر دائمًا وأبدًا أن هذه الزوجة ربما تقدم لها عددٌ من الأزواج، فلم ترَ أحدًا منهم مُناسِبًا حتى تقدَّم هو إليها، فرأته رجلاً مناسبًا لها يسعى لإسعادها في حدود طاعة الله.




فيا أيها الزوج:





كن عند حُسن ظنِّ زوجتك وأهلها بك، ثم ادعُ الله الكريم لكلِّ زوجين أن يبارك لهما وأن يبارك عليهما، وأن يجمع بينهما في خير، وأن يجعل زواجهما عونًا لهما على طاعته سبحانه وتعالى.












via مدونة الوليد http://ift.tt/11TiSWl

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire